صراحة نيوز بقلم موسى العدوان
( وعندما أعيدُ إحياء الحديث عن تلك الحرب ، فإنني لا أقصد اجترار أحداث الماضي كقصة للتسلية وملء الفراغ، بل لكي نعيد قراءة التاريخ برؤية عسكرية أمينة، ونتعرف على ما ارتكبناه من أخطاء بكل صراحة، لنأخذ منها الدروس والعبر بعيدا عن المجاملة. وإن كنت لا أنتقص من قدرات القوات المسلحة المصرية الشقيقة، التي سطّرت ملحمة أكتوبر المجيدة عام 1973، إلاّ أنني أنقل هنا بعضا مما ورد في هذا الكتاب، دون تبنيه كحدث شَهدّتُهُ بأمّ عيني، رغم أن نتائجه في حرب حزيران معروفة، وما زالت ماثلة أمام عيوننا نلمسها كل يوم. ومن المهم أن نعرف من خلال هذا المقال، كيف واجهت مصر المعركة الجوية في حينها، وكيف خاضت دول المواجهة تلك الحرب، وغامرت بمصائر أوطانها وشعوبها ؟ )
( اقتباس من مقدمة المقال ) * * *
في صباح يوم الجمعة 26 مايو / أيار 1967 كان مقررا شن هجوم مصري مفاجئ على إسرائيل، وكانت التعليمات والتوجيهات حول ذلك الهجوم، قد وُزعت على جميع المطارات في سيناء قبل بضعة أيام، واستطاعت الصحافة الاطلاع عليها ونشرها. ولكن أحدا لم ينشر الأسباب التي دعت إلى إلغاء الهجوم الجوي المرسوم.
ففي يوم الجمعة وقبل حلول الفجر توجهت عشرات الطائرات الإسرائيلية المقاتلة وحلقت في سماء البلاد، وكانت تتجول باستمرار على طول البحر وعلى حدود سيناء، وتقوم بغارات وهمية باتجاه البحر الأحمر وقطاع غزة، فملأت الجو بالضجيج.
وفي وقت لاحق قام ( نويّر ) بزيارة سرية لإسرائيل، واجتمع برئيس الأركان اسحق رابين وقائد سلاح الجو موردخاي هود ومدير الاستخبارات ( أهارون ياريف ). فقال ( نويّر ) : أعتقد أن المصريين وصلوا إلى نقطة اللاعودة، تصوروا أن البابا ( كيرلوس السادس ) طلب قبل يومين، تحرير الأراضي المقدسة من أيدي صلبة المسيح.
أما ما يحدث في المساجد من الدعوة للجهاد والتحرير، فلا يمكن وصفه، فالجماهير المصرية تريد الحرب فعلا. فقال قائد سلاح الجو جملة مفيدة واحدة : إذا كانوا يريدون الحرب فسنعطيها لهم. ثم رأيته يغلق عينيه قليلا ويسألني بصوت مبحوح : إلى أية ساعة تستمر حالة الطوارئ في سلاح الجو المصري ؟
قلت : إلى ما بعد الساعة السابعة صباحا بتوقيتكم ( أي الساعة الثامنة صباحا بتوقيت مصر )، وبعد ذلك تعود جميع الدوريات الجوية إلى قواعدها. وفي حوالي الساعة السابعة والنصف يخلع الطيارون ملابسهم الجوية، و ينصرفون بما في ذلك المسؤولون عن أجهزة الرادار لتناول طعام الإفطار.
سألني قائد سلاح الجو : ومن يبقى عند أجهزة الرادار ؟ لا أحد . . قلت بدون اهتمام وأضفت، وإنما يغلقون جميع أجهزة الرادار لمدة نصف ساعة، أي حتى الساعة الثامنة بتوقيتكم، وبعدها يعودون جميعا إلى مراكز أعمالهم. فكرر علي قائد السلاح مرة ثانية : يغلقون أجهزة الرادار لمدة نصف ساعة ؟ أجبت نعم . . وقد عرفت ذلك من الجولة التفتيشية التي قمت بها قبل أسبوع، بأمر من رئيس الوزراء زكريا محي الدين، وأنا نفسي لم أكد أصدق ذلك . . ! وسألني مدير الاستخبارات : ماذا كان رأي محي الدين بذلك ؟ قلت : لم ابلغه به . . وإنما قدمت له تقريرا عن الحالة السيئة في شباك الأرصفة، وأبلغته عن الفراغ الخالي من الرادار في مكتب سيناء . . .
ورأيت القائد الكبير ( رابين ) الذي كان حاضرا الاجتماع، ينظر إلي ويدق بيده على الطاولة قائلا : ماذا تستطيع أن تفعل أنت ؟ وكانت في رأسي فكرة سطحية جنونية، وعليّ الآن أن أعرضها على هؤلاء المسؤولين بأسلوب جذاب فقلت : حفلة . . قال رابين مستغربا وغاضبا حفلة . . ؟ قلت نعم حفلة . . حفلة لطياري النفاثات المصرية أبطال الأمة، الذين أقضّوا مضاجع الإسرائيليين بدون قتال. سبق لي أن بعت أفكارا أسوأ من هذه الأفكار، وكنت دائما أجد من يشتري. ثم واصلت حديثي : حفلة كبرى مع الشراب، والراقصات، ونجوم السينما، وطالبات الجامعات، في أحضان الطيارين السكارى . . !
وأضاف ( نويّر ) أن عدد الطيارين المصريين يبلغ 600 طيار، وأعتقد انه سيأتي منهم إلى حفلة النصر حوالي 500 طيار. وسأل رابين حفلة نصر ماذا ؟ قلت حلو جدا . . لقد اشتروا هذه الفكرة، لماذا ولأي غرض الحفلة ؟ إن ذلك يتوقف عليكم. تلك الحفلة السطحية المجنونة عرضتها على المسئولين المصريين فوافقوا عليها، ولم يعد باستطاعتي التراجع عنها الآن.
لقد استطعت إقناع قائد سلاح الجو المصري صدقي محمود، بإقامة حفلة
النصر الكبرى لضباط سلاح الجو المصري ليلة 4 / 5 حزيران 1967 في المناطق التالية : حفلة لطياري القاهرة وتحييها الراقصة المشهورة سيهر زكي، حفلة لطياري المنطقة الجوية الوسطى ( القناة )، حفلة لطياري المنطقة الجوية الغربية ( الدلتا والنيل ) في نادي طيران أنشاص، وحفلة لطياري المنطقة الشرقية / سيناء تقام في ( بير كفكفا ) وتحييها المطربة غادة فخري. استمرت هذه الحفلات حتى الساعة الخامسة من صباح يوم الاثنين 5 حزيران.
التاريخ : 5 / 7 / 2021