صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
لا أظن أن بلدا في العالم اھتمت بالدخان وأعطتھ مساحات واسعھ في إعلامھا وسیاساتھا وأحادیث اھلھا كما فعلت الأردن. في السنة الاخیرة یصعب أن یجري حدیث في السیاسة والاقتصاد والفساد وترھل الإدارة والأمن دون المرور على قضایا الدخان. فقد استولى الموضوع على اھتمام الجمیع. اضافة إلى القضیة الكبرى التي أحیلت إلى القضاء یجري الیوم الحدیث عن أثر التھریب على الموازنة وعلاقة الدخان بأحداث الرمثا وتأثیر المھربین أو الحیتان على صناعة القرار، وغیرھا من القضایا المقلقة للمواطن والمراقب والمسؤول.
حتى أوائل السبعینیات من القرن الماضي كان التبغ أحد أھم المحاصیل التي یقبل الأردنیون على زراعتھا. في سھول حوران ومادبا والسلط وعمان كانت زراعة التبغ مھارات یجیدھا الكثیر من الفلاحین ممن لا یجدون صعوبة في جني الأوراق وتجفیفھا وتوریدھا إلى تجار التبغ الذین یشاركونھم ویرشدونھم إلى أسالیب التجفیف والتخزین والتحمیل حفاظا على قوام الأوراق وضمان وصولھا إلى المصانع بالحالة التي تسھل التعامل معھا. العدید من مصانع الدخان المحلیة تعتمد على المنتج المحلي والبعض منھ یصدر إلى بلدان اخرى. لا اعرف اسباب تقلص واختفاء زراعة التبغ في حقولنا. حتى مدخنو الھیشة توقفوا عن زراعة حواكیرھم بما كانوا ینتجونھ لاستھلاكھم السنوي.
التصریح الذي أدلى بھ مدیر عام الجمارك الأردنیة حول تھریب الدخان من وإلى الأردن تصریح محیر ویحتاج إلى المزید من البیانات والمعلومات لتوضیح المعادلة. ما قالھ المدیر یثیر الاسئلة ویفتح باب التكھنات خصوصا وان ملف الدخان وإنتاجھ والتجارة فیھ ما یزال غامضا بالرغم من فتح الملف وإحالة بعض المنتجین والاطراف المتورطة فیھ إلى القضاء.
حتى الیوم لا أحد یعرف بدقة الكمیات المنتجة من الدخان ولا الأنواع التي أنتجتھا وتنتجھا المصانع المرخصة والمناطق الحرة. حدیث المدیر حول وجود أدلة على أن الدخان المھرب إلى البلاد إنتاج أردني جرى تھریبھ وإعادة تھریبھ إلى الأردن یثیر اسئلة حول رصد كمیات الانتاج والجھات التي یصدر لھا الانتاج وآلیات التسعیر للمستھلك المحلي والفرق في الأسعار بین المنتج الموجھ للسوق الأردني والأسواق الخارجیة ودوافع وعوائد التھریب إلى الخارج وجدوى اعادة المنتج أردني المنشأ إلى السوق الأردني.
في العالم یتحدث الناس عن الدخان بصفتھ مضرا بالصحة وعن اھمیة تجنب التدخین في الاماكن العامة. وفي الأردن لا نزال منشغلین بإنتاج الدخان في مصانع غیر مرخصة وشبكات الفساد التي تحیط بمصنعي الدخان والقائمین على التھریب. الحكومة تُض ّمن تصریحاتھا فقرات حول أثر السیجارة الالكترونیة على ایرادات الخزینة ویبرر البعض انخفاض ما تحصلھ الدولة بأسباب لھا علاقة بالدخان.
في كل مرة تخرج مثل ھذه التصریحات أشعر بقصور وضعف التدابیر التي تتخذ من قبل المسؤولین لبناء اقتصاد وطني قابل للنمو. فالجمیع یفكر بعقلیة البقالة الصغیرة التي تجري حساباتھا على عملیات البیع والرسوم التي قد یتم جنیھا من النشاطات التي لاعلاقة لھا بالإنتاج.
من غیر المعقول ان ننشغل بعدد علب السجائر وجداول الضرب التي تعطینا نصیب الخزینة من البیع والشراء. إجراءات الحكومة وأجھزتھا لا تقف عند الرقابة والضبط والاعلان.
فالسیاسات التحفیزیة للاقتصاد وتشجیع الانتاج وبناء الثقة وایجاد قنوات مشروعة للكسب اھم بكثیر من تحولنا إلى مفتشین ومراقبین على ملایین الجیاع