صراحة نيوز – بقلم الدكتور إيليا الربضي .
تفاجأ جميعنا بعد أن شاهدنّا و قرأنا بحزنٍ وألمٍ شديدين ، قرار وزارة التعليم العالي القطرية، القاضي بإلغاء اعتماد سبع جامعات أردنية ، والإبقاء على الاعتراف بست جامعات فقط، وذلك بعد قرار نظيرتها الكويتية بإلغاء اعتماد خمسة عشر جامعة أردنية واعترافها بخمسة فقط , إذّ إقتصر القرار القطري والكويتي على الإعتراف بالجامعات الاردنية
الرئيسية وهي (جامعة اليرموك ,والجامعات الأردنية ,العلوم والتكنولوجيا ,الهاشمية والأميرة سميّة) مع سحب الإعتماد الخاص بجامعات القطاع الخاص مما يوجه ضربة حقيقية وأليمة ستعصف بسمعة التعليم الأردني بصورة عامة كنتيجة وأثر حتمّي لازم ومباشر لإنفلات الكثير من الجامعات -ومنها الجامعات الخاصة على وجه التحديد- وخضوع التعليم والتوظيف والإدارة في جُلّ هذه الجامعات لأسس تجاريّة بحتة بعيدة كل البُعد عن جوهر الرسالة المُقدسة للتعليم .
وفي ظل هذا الواقع الأليم وعلى الرغم من كثرة المعضلات الجسام التي تُدمي جامعة اليرموك العزيزة (كالمديونية المتراكمة ,إضمحلال الدعم الحكومي ,والجسيم) , إلا إنّ كلية القانون فيها تشهدُ على نقلة نوعية تُحسب لكافة العاملين فيها (إدارةً وموظفين , طلبةً وعاملين) وذلك على مُختلف الأصعدة والمجالات , والتي تُعتبر بدورها جزء لا يتجزأ من النقلة النوعيّة التي شهدتها جامعة اليرموك عامة في الآونة الأخيرة .
إذ بات في كلية القانون لنموذج التعليم الجماعي المُختص صدًا كبيرًا وقيمًا في العديد من المُحاضرات , إذ يتبلور هذا النموذج على شكل منح “دقائق معدودة على فترات مُتقطعة للطلبة خلال المحاضرة” , للتشاور وتبادل الأفكار في مسألة أو مُعضِلة قانونية معينة مُستنبطة عن واقعة قضائية حقيقية , ما يؤدي بدوره لعصفٍ ذهني لدى الأفراد ينتُج عنها بلورة للأفكار في المَلكة الذهنية القانونية للطالب .. ما يُولد بدوره العديد من التساؤلات التي قد يبتلعها ويهضمها النموذج التقليدي في تقديم وعرض المحاضرة والذي كان يعتمد على تقديم المادة العلمية من قبل المحاضر طوال فترة المحاضرة ؛ وطبعًا ما بين و بين شتان .
أما على صعيد الإختبارات ؛ نجد بأنها قد خرجت عن شكلها الكلاسيكي للنموذج التقليدي الذي بات مُستهلكًا بالنسبة لعقلية الكثير من الطلبة , كون أن النموذج الكلاسيكي لا يُراعي سوى مسألة فحص مستوى حفظ الطالب للعلم الخام وتخزينة ,دون مراعاته أو حتى بحثه في مدى نجاعة وقدرة ذات الطالب على إسقاط هذا العلم الخام الذي حازه على الوقائع والمعضلات والقضايا القانونية التي يعيشها ويعاينها في حياته اليومية .. وفي هذا المقام بكل تأكيد لا نغيب أستاذة القانون الإداري ورئيس قسم القانون العام الدكتورة صفاء السويلميين وأسئِلتها القيّمة التي تبحثُ في جوهر وباطن الملكة القانونية للطالب طارقةً الأبواب في شتى الفروع القانونية بدماغة باحثةً في جميعها ,لتتمكن من الوصول إلى تكييف قانوني سليم للواقعة المعروضة . –فعلى سبيل المثال لا الحصر- , شاهد جميعنا الضجة التي إنتشرت على الإنترنت قبل أيام بسبب القرار الصادر عن وزارة الإتصالات والذي كان يقتضي حظر “لعبة ببجي” , فكانت اليوم أحد القضايا المطروحة لطلبة الكليّة في مساق “القضاء الإداري” , هو عن مدى مشروعية قرار وزارة الإتصالات وإمكانية الطعن فيه أمام المحكمة المختصة , أضف لذلك العديد من المساقات المختصة أيضًا كالتطبيقات القضائية وأصول المحاكمات المدنيّة والجزائية أيضًا .
أما على صعيد منهاج البحث العلمي والكتابة القانونية , فلم تكتفِ كلية القانون في جامعة اليرموك بالإمتياز الذي يحققه أعضاء الهيئة التدريسية في الكتابة البحثية بالقضايا الوطنية والإقليمية والعالمية من خلال نشرهم لأبحاثهم ومؤلفاتهم المُحكمة وتوصياتهم القيمة ذات الأثر الواضح في مجال تخصص كُلّ منهم ,بل خرجت ووصلت لما هو أبعد من ذلك .. إذ إستحدثت كلية القانون في جامعة اليرموك في سابقه حديثة وعلى خلاف قريناتها مساق متخصص في الكتابة البحثيّة القانونية لطلبة المرحلة الجامعيّة الأولى “البكالوريوس” تحت مُسمى “مناهج البحث والكتابة القانونية” , والذي يقوم بتدريسة أساتذة مختصون يعملون على إكساب طالب البكالوريوس مهارة علمية وبحثية في مرحلة مُبكرة من مشوارة الدراسي فيصبح قادرًا على التعليق على المسائل القانونية بطريقة علمية , قانونية , منهجية وموضوعية .
أما على صعيد الأنشطة اللامنهجية ؛ فتحرص كلية القانون في جامعة اليرموك وبشكلٍ دؤوب ضمن خططها الإسترتيجية ورؤاها المستقبلية , على صقل شخصية طالبها القانوني على أكمل وجه وبأفضل صورة فتعمل على إدخال الجانب التطبيقي (العملي) بالجانب النظري لتثري الطالب فتكون بمثابة قيمة مضافة يتميز فيها طالب القانون في جامعة اليرموك عمن سواه . ومن الأمثلة على هذه الأنشطة –على سبيل المثال لا الحصر- ؛ المؤتمرات العلميّة , و الندوات التوعويّة في المسائل القانونية , إضافةً لِعقد جلسات للمحاكمات الصورية إذ نكون فيها بِصدد قضية صوريّة يقوم ثُلة من الطلبة بالبحث في معطيات هذه القضية خلال مُدة معينه لتجهيز المرافعات الخطية والشفوية للترافع فيها أمام هيئة المحكمة , وكان آخرها عقد جلسة للمحاكمة في قضية منظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية ترأس هيئة المحكمة فيها قاضي محكمة العدل الدولية ورئيس الوزراء الأسبق عون الخصاونة وبعضوية كل من (عميد كلية القانون في جامعة اليرموك الأستاذ الدكتور لافي الدرادكة , ورئيسة المعهد القضائي إحسان بيك البركات , وقاضي محكمة البداية محمد بيك الحمادين , والمحامي الأستاذ فوزات فريحات من نقابة المحامين الأردنيين) , إذ ترافع ثُلة من الطلبة الذين أشرف على تدريبهم الأستاذ المساعد في القانون الدولي الدكتور أحمد زقيبه في القضية المنظورة , وأبدت هيئة المحكمة آنذاك إعجابها بالأداء المتميز والمُبهر الذي قدمة الطلبة المترافعون والذي يعكس بدوره تميز هذه الكلية وتميز الجامعة على حدٍ سواء .
أما عند الحديث عن خريجي هذا الصرح العظيم , فعن أي فخرٍ نتحدث بعد أن أظهرت نتائج إمتحانات القبول في برنامج دبلوم المعهد القضائي الأردني (الفوج العشرين) لعام 2019 , عن تحقيق ثلاثة من أصل سته من طلبة كلية القانون – جامعة اليرموك وذلك عن فئة الأوائل على مستوى كافة كليات القانون والحقوق في المملكة , حائزين بذلك مقاعدهم في سلك القضاء الأردني إبانَّ دخولهم في منافسة شديدة ومحتدّمة بالإختبار الشفوي والتحريري وصولًا للمقابلة الشخصية على مستوى نُخبة النُخبة من كافة كليات الحقوق في المملكة .
ومثل هذه النتائج والمعطيات تؤكد بما لا يقبل إثبات العكس قطعًا ,بأن جامعة اليرموك ومن خلال كلية القانون تسير بشكل عام على الطريق العلمي السليم من ناحيّة التدريس الأكاديمي , والتدريب العملي , والتطوير والبحث العلمي , لتقديم مخرجات تحقق الكفاءة والتميز المطلوب في هذا القطاع , ما يزيد بدورة المسؤولية على هذا الصرح العظيم للإجتهاد والسعيّ دائمًا لمواكبة التطورات في مجال العلوم القانونية للوصول للريادة التي هي عنوانها !
ختامًا ,,, لكليتنا الحبيبة في ظل جامعة اليرموك العزيزة نسأل الله التوفيق والوفاق , ولوطننا الإزدهار المُستمر في ظل حامل الراية جلالة الملك عبدالله الثاني حفظة الله ورعاه.