صراحة نيوز – بقلم جميل النمري
لم یعد ھناك شك، أنھا السلطة الخامسة، سلطة جدیدة أثبتت سطوتھا وتحسب لھا السلطات الثلاث في الدولة حسابا لم تحسبھ لأحد من قبلھا ولا حتى للسلطة الرابعة ( الصحافة والإعلام ) من قبلھا.
وھي تحتار معھا وفیھا، فالقبض علیھا مثل القبض على الماء وإطلاق النار علیھا مثل اطلاق النار في الھواء، واحتواؤھا مثل احتواء الغیم في قفص، انھا تفلت على كل ضبط أو سیطرة أو تطویع، انھا القنوات الممدودة بلا حدود والمفتوحة بلا قیود من كل فرد الى كل فرد للتعبیر والنقل وتداول الكلام والآراء والمعلومات والإشاعات أو“ النكات“ ولا مجال للتعامل معھا الا بنفس وسائلھا وبالمنافسة من داخلھا من دون أیة میزة لمستخدم عن آخر.
رئیس الوزراء یستخدم نفس الحق والفرصة مثل اي مواطن ولیس امتیاز المانشیتات على الصفحة الأولى في الصحف الیومیة، وأي وزیر مثل أي عاطل عن العمل وصاحب أعظم مؤسسة مثل صاحب اصغر بسطة لیس لأحد زیادة عن الآخر لا في المساحة ولا الوقت فھو أصلا مجاني للجمیع والتمیز یصنعھ عدد المشاھدات والاعجابات والمشاركات.
عامل وطن وھو بجانب حاویة یستل الخلوي ویسلخ رسالة او صورة قد تحقق اختراقا فیساھم بتدویرھا المعجبون كما لو كانوا جندا مجندین لتصل الى الملایین.
السلطة الخامسة تنفعل بقوانینھا الخاصة التي لم یضعھا احد ولا یقبض علیھا احد وتفعل فعلھا كما لم یتوقع أحد. أتحدث بالطبع عن وسائل التواصل الاجتماعي.
طرأت لي الخاطرة أعلاه وأنا أنظر صباح أمس من نافذة البیت مخذولا الى تواضع بقایا ”الثلجة“ التي اعلنت العطلة من اجلھا بینما ھي من المستوى العادي الذي اعتدنا علیه وقد استمرت فقط لبضع ساعات في اللیل ولم تكن ابدا تتناسب مع حالة الطوارئ القصوى التي اعلنت لمواجھتھا. واعتقد ان المعطیات عند الأرصاد الجویة الذین یواجھون كل شتاء كل انواع المنخفضات القادمة من الغرب والشمال ویعرفون قیاساتھا لم تكن بخافیة علیھم لكن كما یقال ”المقروص یخاف من جرة الحبل“، والمسؤولون في مؤسسات الدولة الذین جلدھم الرأي العام على وسائل التواصل بكل عنف في كارثة البحر المیت باتوا كأن على رؤوسھم الطیر مع أي احتمال لأي مكروه یحدث لأي سبب كان.
ومع الطقس تجدھم مرعوبین من الاحتمالات الغادرة فانقلبت السیاسة الاعلامیة الرسمیة رأسا على عقب من التھوین والتقلیل الى التضخیم والتھویل لردع الناس ودفعھم للحیطة والحذر وأیضا لدفع المسؤولیة عن السلطات التي قامت بواجبھا ووجھت المواطنین كما یجب، فسبحان مغیر الأحوال بفضل وسائل الاتصال.
حتى الآن دیمقراطیتنا مجزوءة، ولا یرى الناس البرلمان یمثلھم ولیس لدینا حكومة منتخبة ولا یتحمل المسؤولون نتائج السیاسات والقرارات لكن الله عوضنا ببدیل اقوى وسلاح أمضى ھو السلطة الجدیدة للجمھور التي قامت دون اذن من احد ومفتوحة للاستخدام على قدم المساواة للجمیع.
مؤسسات الدیمقراطیة التي طالما حسدنا الغرب علیھا دون ان نستطیع استنساخھا، جاءنا من عندھم على غیر میعاد أو قصد ما یضاھیھا حیث یمكن مراقبة السلطات ومخاطبتھا ومساءلتھا وأكثر من كل ذلك السخریة منھا بلا قید ولا شرط، وكل یوم تعطي السلطة التنفیذیة مادة للسخریة ما كان ممكنا أن تتفجر كالینابیع لولا وسائل التواصل وخذ مثلا قائمة السلع التي خفضت علیھا ضریبة المبیعات.. إني لأتابع الكتابات والتعلیقات الساخرة وما فیھا من سطوة وسلطان و.. سلاطة لسان فأشفق على حكومات ومسؤولي ھذه الأیام وقد ابتلوا بمعاصرة سلطة خامسة تتواضع أمامھا كل السلطات.