صراحة نيوز – بقلم الدكتور قاسم العمرو
منذ وقوع الحادث الارهابي في نيوزيلندا الذي ذهب ضحيته عشرات من المسلمين وهم يؤدون عبادتهم في بيت من بيوت الله قائمون لذكره .وأنا أُتابع عن كثب حجم ردة الفعل الغاضبة من الناس الذين ملأوا الفضاء الالكتروني كراهية وحقد دون ان نسمع تحليلا منطقيا الا من طرف اشخاص اتباع المسيحية دافعوا عن مسيحيتهم بإدانتهم للحادث الارهابي الاليم بعد أن ظهرت إشارات داله من قبل رواد التواصل الاجتماعي اعتقدوا ان الدين هو من وجه هذا الارهابي لفعلته.
في الحقيقة ان التاريخ قدم لنا روايات وحوادث أرهابية كثيرة مصدرها المسلمين والمسيحين واليهود واصحاب الديانات الوضعية، وكل الاتباع مارسوا هذا السلوك بشكل أو بآخر، لكن المشكلة عندما يتم تسييس الموضوع والصاق هذا الفعل بدين معين لان من ارتكبه ينتمي لهذا الدين أو ذاك وهنا تكمن المشكلة، وفي هذا تجني واضح على الاديان لانها بالاساس تحرم القتل والاساءة وتأمر بالاحسان وحسن المعاملة، والارهاب نابع عن رد فعل للتكوين النفسي للشخص وثقافته والمرجعية التي يغذي افكاره منها وكم من المجموعات والفرق الموجودة في كل الاديان تأخذ من العنف والارهاب طريقة لاثبات وجودها والدفاع عنه.
الحادث الارهابي الاليم كشف لنا عن الوجه الانساني والمتسامح لرئيسة وزراء نيوزيلندا التي تعاطت منذ اللحظة الاولى مع الحادث بكل دقة ورحمة ومشاعر نبيلة جياشة بعكس بعض ممن استمعت اليهم في أكثر من خطبة وهم يبثون خطاب الكراهية والتحريض وما اعتادت عليه افواههم من شحن للنفوس بما لاتحب.
لقد لقنتنا الرئيسة جياسيندا أرديرن درسا ساميا بالانسانية عندما استخدمت ايات القران الكريم في خطاباتها واحاديث الرسول محمد العظيم وهي تخاطب جماهير المكلومين بكل رقة وانسانية وتقدم الاعتذار تلو الاعتذار عما حصل وتتوعد بعقاب رادع لهذا المجرم وفي لفتة ذكية لم تذكر اسم المجرم في خطاباتها حتى تفوت عليه فرصة الشهرة وان لا يحقق اي انجاز من فعلته المشينة الا الادانة والشجب.
أنها أمرأة ذكية وعبقرية وأعطت درسا مهما بالانسانية والتسامح والمحبة والمهارة في تقديم الاعتذار فكسبت عقول الناس على امتداد الكرة الارضية وأطفت خطاب الكراهية الذي اججه هذا الحادث الارهابي المخيف.
لك ياسيدتي كل التقدير ولك ترفع القبعة احتراما واعترافا بمهارتك وذكائك المتميز وأهنئ شعب نيوزيلندا بهذه المرأة الجميلة الراقية المرهفة والصارمة وان يحفظ الله نيوزيلندا وشعبها بكل فئاته من كل مكروه.
المهم ان نخرج من هذا الدرس القاسي أكثر وعيا بعدم الانجرار والتباغض لحادث يحصل هنا او هناك لان معظم الحوادث الارهابية التي تحصل هي نتاج توظيف الصراعات السياسية، يخطط لها في الغرف المظلمة وينفذها مجانين معتوهين تجردوا من الانسانية والاخلاق لتبدا ماكنات الاعلام بتوظيف الصراع الديني لخدمة السياسيين.
لا أدري ان كان خطباء مساجدنا سيطلعون على ما نكتبه ويستمعون لنا كما نستمع لهم أم لا ولكن هي رسالة نؤديها نبتغي من وراءها كلمة حق لتخفيف الاحتقان وليؤدي كل صاحب دين واجبه وهو آمن لا ينظر الى الاخر كيف يقوم بواجبه وان نعلي من قيم التسامح والمحبة للتغلب على صعوبات الحياة ومشاكلها وان نتوجه الى الله وحده بالدعاء ان يحفظنا جميعا من الفتنة وسوء المنقلب.