صراحة نيوز – بقلم عبد الفتاح طوقان
سفينة الحاويات المصرية لا تزال عالقة والممر المائي مغلق، ودعوات مشبوهة لتسليم إدارة القناة لشركات عالمية مغلفة باتهامات متبادلة لضعف إدارة الازمات في مصر، وغياب التخطيط والروئ المستقبلية وعدم الاهتمام باتخاذ قرار صحيح في الوقت المناسب أدى الى مشكلتين.
أولى المشاكل وأحد نتائج التآخر في اتخاذ القرار في الوقت المناسب هو بناء سد النهضة والذي يهدد ارتفاعات منسوب مياه نهر النيل، والأخر عدم حل مشكلة جنوح سفينة حاويات بحمولة تقارب ربع مليون طن هددت العالم عندما اغلق الممر المائي بسببها، ورفعت أسعار النفط وأدت الى خسائر اضرت بالاقتصاد العالمي وليس مصر فقط.
والأكثر ايلاما أن غاب القرار المدني والقرار العسكري – في الوقت المناسب – والذي لو تدخل لاختلفت الصورة كليا. فما هي أهمية صناعة القرار العسكري في إدارة قناة تتعرض لمشكلة مائية ملاحية وهندسية سياسية معا، علما ان سلاح الهندسة العسكري المصري فتح باستخدام مدافع رشاشات مائية خط بارليف الذي لا يقهر ولديه إمكانات إزالة التربة حول السفينة بنفس الأسلوب وفي وقت قياسي؟
عملية صنع القرار العسكري هي منهجية متكررة لفهم الوضع والمهمة لإنتاج خطة عملية او نظام او تطوير مسار عمل.
وهي عملية تساعد القادة على تطبيق الدقة والوضوح والحكم السليم والمنطق والمعرفة المهنية لفهم وتقدير الموقف وتطوير الخيارات لحل المشكلات والوصول الى القرارات من خلال التفكير الاستباقي والإبداعي اثناء التخطيط.
ولقد كانت اول الخطوات الاستباقية عندما التحقت بسلاح الجو الملكي عام ١٩٨٢ ان قدمت محاضرة عن كيف يمكن لإسرائيل ان تدمر المطارات العسكرية الأردنية خلال دقيقتان من تواجدهما قرب النهر بعد اقلاع طائراتها من قواعدها، وضرورة ان يكون لدى الأردن “اصلاح فوري” وخطة بديله متعلقة بالعمليات المستقبلية بمشاركة الوحدات التابعة والداعمة حتى لا تتكرر نكسة ١٩٦٧ التي دمرت الطائرات العسكرية على المدارج وباتت السيطرة الإسرائيلية على سماء مصر صانعة دعم لبقية وحدات الجيش الإسرائيلي على الأرض فسقطت صحراء سيناء في ست ساعات في يد اسرائيل.
كانت هي المرة الأولى ان يتم استدعائي للأمن العسكري بعد المحاضرة وتكرر ذلك لاحقا مع كل محاضرة موثقة تحدثت فيها عن التخطيط وأوامر التحذير والاستعداد والخدمات المقدمة للجيش الأمريكي واصلاح الطائرات في قاعدة الأزرق ، وخطة إسرائيل في الدخول للأردن من محور السلط واربد بالدبابات!
كنت أرى ان تبادل المدخلات والمعلومات والاستعداد المستقبلي بمشاركة عسكريين ومدنيين يبنى فهما مشتركا لطبيعة الصراع وصد الهجوم ان حدث والمشاركة في تطوير الخطة الدفاعية واتخاذ قرار وحل أي مسائل تعيق الخطة او الأوامر.
و في احد الأيام ،ونحن نقوم بأعمال صيانة لموقف الطائرات في السرب الملكي هبطت طائرة الملك الراحل الحسين، و كعادته قام بالسلام و التحدث مع العسكريين حول الطائرة ، و اديت له التحية و اجبت على اسئلته و اقترحت ” وحدة في كل قاعدة من قواعد سلاح الجو الملكي للإصلاح الفوري” ، و تحدثت عن امكانيتنا الهندسية في التصميم دون الحاجة لشركات اجنبية بالآلف من الدنانير، و عن سوء استخدام المدارج من قبل بعض الطيارين و عدم الالتزام بالهبوط علي المناطق الخرسانية و استخدام مناطق الزفت مما يقتلعها و يكلف أموالا ضخمة لصيانتها لاحقا و أمور اخري ، فاستدعاني المرحوم تيسير زعرور وكان قائدا لسلاح الجو واعلمني رغبة الملك و توجيهاته أن اصبح مسؤولا عن المدارج و قائدا للإصلاح الفوري و من هناك بدآ العمل في تأسيس وحدة الإصلاح الفوري، و تم ارسال الفرق الي بريطانيا و شراء معدات خاصة و نجحنا في بناء الوحدات و تجهيزها واعداد مهندسين القواعد و شجعنا الملك بتوجيهاته ووضعنا خطط مبكرة للتعامل مع أي قصف للمدارج.
أورد تلك القصة لأنها درس مهم في إدارة الازمات وحل المشاكل، حيث الحاكم يقظ، صاحب قرار فوري، يدعم و يوجه المرؤوسين فيما يتعلق ببناء فهم مشترك “استباقي” و تحضير لمواجهة أي أزمات بإجراء تحليل للوقت للمعالجة قبل ان تحدث الازمة والاهم هو الجاهزية والمساندة لبدء التحركات الضرورية مبكرا كجزء من عملية التخطيط بقوات وأدوات جاهزة و مدربة في مواقعها قبل التنفيذ و قبل حدوث المشكلة.
واقصد خطة كاملة مثلما كانت وحدة الاصلاح الفوري للمطارات العسكرية جاهزة و مفعلة. نفس الشيء قمت بإدراجه ضمن خطة طورناها وأطلقنا عليها ” القدس” لمواجهة عوامل الطقس والثلوج بمساعده واستخدام اليات المقاولين وكوادرهم. كانت القوات المسلحة الأردنية على اعلي درجات الاستعداد والجاهزية الدفاعية.
و اعود الي موضوع سفينة الحاويات المصرية، التي جنحت وأغلقت الممر المائي الأهم عالميا وحققت خسارات مستمرة بحدود عشر مليارات من الدولارات اليومية على مستوى العالم غاب عن الإدارة المصرية المكلفة عامل الوقت حيث مرت ٢٦ ساعة قبل أي تدخل او تصريح، تلاشت الجاهزية، ولم يكن هناك تدابير لاتخاذ القرار الفوري، فقدان الخطط البديلة وأنشطة التحضير لخطط الإنقاذ في حال اغلاق الممر المائي، واكتفت الإدارة في مصر بالمراقبة وانتظار الحل من قبل الشركة المالكة للسفينة التي استدعت شركة مختصة في تعويم السفن.
عامل الوقت جدا مهم في عمليات الإنقاذ وفتح الطرق والممرات والإصلاحات، وبلا شك ما حدث سيفتح بابا للمحاسبة في مصر بعد ان يتم الانتهاء من تعويم سفينة الحاويات التي لا تزال عالقة وفشلت كل المحاولات البدائية ولا بد من إعادة النظر في البدائل وبناء الخطط الفورية لمواجهة الطوارئ والتعامل معها.