صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
يقول الصحفي محمد حسنين هيكل في كتابه ” الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق ” ما يلي واقتبس : “عند بداية الدخول الأمريكي إلى أسواق الشرق الأوسط، فقد كان المرشحون للوكالة عن الولايات المتحدة، ممثلين أو متعهدين أو شركاء في التصنيع المحلي ثلاثة :
1. السعودية : ( باعتبار أن المصلحة الأمريكية الأكبر وهي البترول، كامنة تحت رمال صحاريها، وبالتالي فهي الأولى نظريا ).
2. مصر : ( باعتبارها أكبر دولة عربية من ناحية السكان، كما أنها الأسبق علميا وثقافيا أيامها، وذلك يعطيها ميزة قد تهيئها للوكالة ).
3. تركيا : ( لكونها أكبر وأقوى دولة إسلامية، وإلى جانب ذلك فهي تحمل ذكرى آخر خلافة إسلامية، مما يمهد لها الفرصة تلقائيا ).
وبالفعل فإن رئيس مجلس إدارة الشركة ( الإمبراطورية الأمريكية )، وعند بداية الاتساع والانتشار بعد الحرب العالمية الثانية، جاء بنفسه إلى المنطقة، يقابل المرشحين للوكالة
( على كافة الدرجات )، ويجري لكل منهم بنفسه امتحان قدرات وكشف هيئة. وهكذا فإنه في شهر فبراير سنة 1945 وفي أعقاب مؤتمر ( يالطا ) الشهير على شاطئ البحر الأسود، جاء إلى مصر على ظهر الطراد الأمريكي ( كوينسي ) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وقتها روزفلت ). وألقى الطراد مراسيه وسط البحيرات المرّة، على مجرى قناة السويس، واستقبل روزفلت على ظهره رؤساء ثلاث دول إقليمية :
– استقبل الملك عبد العزيز آل سعود، واستمع إليه طويلا، وبدا له بعض ما سمعه غريبا على ثقافته. فالملك عبد العزيز يحدثه بلغة زعماء القبائل ويقول له : أنت أخي وكنت أشتاق دائما إلى رؤيتك، وأريد أن يكون تعاملي معك أنت وليس مع غيرك، لأنك رجل مبادئ ونصير حقوق. ونحن العرب نتطلع إليك في طلب العدل والإنصاف من تحكم واستبداد الآخرين ( يقصد الإنجليز ).
وصحيح أن الملك عبد العزيز تحدث في موضوع المظلومين من الفلسطينيين، وأبدى تخوفه من فتح أبواب ذلك البلد العربي لهجرة يهودية غير محددة، إلا أن لهجة الملك كانت رجاءً ونداءً إلى الرئيس الأمريكي باعتباره ( السيد القوي العادل ). وكان الملك السعودي حريصا على التركيز، بأنه هو والرئيس الأمريكي ( توأمان في الروح )، وحتى في الظروف الصحية، لأن كليهما غير قادر على المشي. فالرئيس الأمريكي يجلس على مقعد متحرك، بسبب إصابته بشلل الأطفال، وباني السعودية وهُنتْ عظام ساقية، فلم تعودا قادرتين على حمل قامته الطويلة، وكذلك أهداه روزفلت كرسيا متحركا.
وقد أعجب روزفلت بالملك عبد العزيز، لكنه نوع من الإعجاب لا يؤهل لاختيار وكيل محلي. فقد كتب روزفلت عن لقائه بالملك عبد العزيز يقول : ( بدا لي الرجل طرازا بدويا من النوع ( المتوحش النبيل )، يذكّر بأزمان غابرة، وتقاليد تعود إلى عصور لم يعد لها الآن مكان ). والغريب أن تعبير ( المتوحش النبيل )، هو نفس التعبير الذي شاع عن بعض زعماء قبائل الهنود الحمر، الذين أحسنوا الظن في المهاجر الأمريكي.
* *
– واستقبل روزفلت بعد ذلك ملك مصر ( فاروق )، واستمع إليه أكثر من ساعة، ولفت نظره أن الملك جاء إلى مقابلته على ظهر الطراد كوينسي يرتدي زي أميرال أسطول، ثم وجده يصرف معظم الوقت معه، في الشكوى من الطريقة التي يعامله بها السفير البريطاني في مصر ( اللورد كيلرن )، وكيف أنه يقوم بإذلاله داخل مملكته ويستقوي عليه داخل قصره، إلى درجة حصاره بالدبابات ليفرض عليه رئيسا للوزراء لا يريده ( مصطفى النحّاس ).
ولم يُعجَبْ روزفلت بالملك فاروق، وتساءل كما كتب في يومياته قائلا : ( لا أعرف لماذا كان ملك مصر يرتدي زي أميرال أسطول بحري، وهو لا يملك في البحر غير يخت للنزهة ؟ إن فاروق يذكرني بجيل من أمراء أوروبا الذين أغرقهم الترف، حتى ذابت عندهم إرادة الفعل وأخذتهم المظاهر، حتى ضيعت منهم جوهر الشخصية ).
ولم يحصل فاروق على رخصة التوكيل الأمريكي ( وربما لم يكن قد خطر بباله حتى تلك اللحظة طلب الوكالة، لأنه ظن واهما أن مستقبل مصر سوف يظل مربوطا ببريطانيا. ولم يدرك الملك فاروق حجم الدخول الإمبراطوري إلاّ في مرحلة لاحقة ).
* *
– ثم استقبل روزفلت رئيس جمهورية تركيا ( عصمت إينونو ) واستمع إليه، واكتشف أن تركيا الحديثة لها رأي بالغ السوء في العرب عموما، لأنهم خانوا الخلافة العثمانية وقت الحرب العالمية الأولى، وتعلّقوا بأذيال الإنجليز. وقد خص الرئيس التركي كلا من السعودية والهاشميين، بالجزء الأكبر من كلامه عن الخيانة الغربية، التي لا يصح الاعتماد عليها شريكا، وإنما يصح التعامل معها تابعا. فالعربي – في رأيه – مهيأ لأن يُقاد ولا يقود، ويُساق بأمر الغالبين، ولا يُدْعى للتعاون على قدم المساواة معهم.
وأدرك روزفلت أن تركيا قد تصلح لدور في البلقان موصول على نحو ما بأوروبا. لكنها لا تنفع وكيلا في الشرق الأوسط، لأن تاريخها ( برغم الإسلام )، ليس متوافقا مع مزاج بقية المنطقة وأغلب دولها عربية، بينها وبين تركيا العثمانية رواسب وتعقيدات ما زالت حية في ذاكرة الطرفين. وكذلك لم ينجح عصمت إنونو في اختبار الوكالة. ومن المدهش أنه منذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة، لم يتغير رأي الولايات المتحدة كثيرا في تقييم المرشحين من المتعهدين بين أهل المنطقة !
* *
– وعندما قامت إسرائيل، فإن بحث ( الشركة ) الإمبراطورية الأمريكية، عن وكيل لها في الشرق الأوسط، وجد جواب سؤاله :
أ. فإسرائيل وكيل مؤتمن، لأنه من خارج ( الأسرة )، غريب في المنطقة دينا وعرقا، ثقافة ومشروعا.
ب. وإسرائيل لهذه الأسباب شريك موثوق فيه، لأنه لا يحتاج إلى الإمبراطورية الأمريكية ( الشركة ) بمقدار حاجتها إليه، وذلك يزكّي ولاءه ويضمنه.
ج. وهذا الوكيل الإسرائيلي المؤتمن، نجح في إثبات وجوده وإشهار دوره في المنطقة سنة 1948، وقدم مؤهلات لها الحظ الأوفر من القبول، فقد بين بالتجربة أنه طرف قوي وناجح، قادر أن يتصرف بالمنع والردع، تاركا للإمبراطورية الأمريكية تحصيل الأصول والأرباح، مقابل أن ترد له نسبته المقررة فيها.
ومع الأيام والتجارب، خصوصا في عهد الرئيس ( ليندون جونسون ) في ستينات القرن العشرين، جرى تجديد وتأكيد التعاقد الإسرائيلي مع الإمبراطورية الأمريكية ( الشركة ) في المنطقة. وكان مما يزكي الوكيل الجديد، عوامل تمتد إلى عمق التجربة في الحالة الإسرائيلية كما في التجربة الأمريكية، لأن الثقافة تلعب دورها في إقامة التحالفات بين المجتمعات.
والمجتمع الإسرائيلي كما هو حال المجتمع الأمريكي، هجرة وعنف واستيطان وتعامل بالقوة يملك عناصرها وأولها السلاح. ولذلك وجهت الإمبراطورية الأمريكية ( الشركة ) عهدة التصنيع الإقليمي والتوزيع في الشرق الأوسط إلى إسرائيل، ولم تغير رأيها حتى هذه اللحظة “. انتهى الاقتباس.
* * *
• التعليق : الحديث السابق يكشف حقيقة ما جرى، ويبين ضعف زعماء الدول العربية، في أواسط القرن الماضي أمام الولايات المتحدة الأمريكية. ولم ينجحوا في إثبات وجودهم كقوى لها وزنها في منطقة الشرق الأوسط،، ولا أعتقد أن الحال قد تغير كثيرا هذا اليوم. أما إسرائيل فقد نجحت بالامتحان وراحت تتوسع وتثبّت أقدامها في المناطق العربية المجاورة، وتبني علاقات سياسية واقتصادية قوية، مع العديد من الأجنبية والعربية، تنفيذا لمشروعها المرسوم.
التاريخ : 23 / 2 / 2020