“برقش” تحت نير الاستثمار

10 مارس 2018
“برقش” تحت نير الاستثمار

صراحة نيوز – كتبت سهير جرادات

مجددا ، نعود إلى ” غابات برقش “، التي تتعرض من جديد لهجمة مجهولة النتائج، وتأويلات كثيرة ، بدأت القصة عام 2011 ، حين صدر بحقها قرار حكومي بإعدام ( 2200 ) شجرة معمرة، ونادرة من السنديان والبطم، والقيقب، تفوق أعمارها أل 500 سنة ، وكنت كتبت مقالا حينها بتاريخ 16/1/2011 تحت عنوان : اعدام ” غابات برقش ” بقرار حكومي !! ، وتحرك الناشطون للتصدي لهذا القرار ، إلى أن تراجعت الحكومة بعد شهر عن قرارها عن طريق رئيسها آنذاك الدكتور معروف البخيت ، بالسماح للقوات المسلحة باستعمال قطعة الأرض الحرجية رقم (21 ) من الحوض رقم ( 2) من أراضي قرية عرجان في محافظة عجلون؛ لاستخدامها لغايات التدريب ، ولتكون متنفسا للكلية العسكرية كونها عبارة عن غابة كثيفة من الاشجار الحرجية التي تزيد على 90 % ، شريطة أن تبقى قطع الأراضي الحرجية مسجلة باسم الخزينة/ حراج، وعدم إزالة أي أشجار حرجية، أو إقامة أية أبنية عليها ، مع السماح بإقامة مبنى الكلية العسكرية على قطع الأراضي التي استملكت لهذه الغاية ، والمجاورة لقطع الأراضي الحرجية .

وتعود أسباب التراجع عن قرار الاعدام للغابات ، كونه يشكل مخالفة صريحة للمادة ( 27 / أ ) من قانون الزراعة النافذ رقم 13 لسنة 2015 وتعديلاته ، المتعلق بالحراج والمراعي ، والتي تنص على أنه: ” لا يجوز تفويض الاراضي الحرجية إلى أي شخص أو جهة، أو تخصيصها أو بيعها أو مبادلتها مهما كانت الأسباب ” ، و مخالفة صريحة أيضا للمادة ( 27 / ب )، التي نصت على أنه: ” لا يجوز تقسيم الأراضي الحرجية داخل حدود التنظيم أو تغيير صفة استعمالها ” .

بعد كل هذه الاجراءات نتفاجأ ــ نحن الاردنيين ــ بكتاب رئيس الوزراء الموجه إلى وزير المالية بتاريخ 18/12/2017 ، لتسجيل جميع أراضي خزينة المملكة الأردنية الهاشمية ، والمخصصة للقيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي)، مهما كان نوعها سواء أكانت حراجا أو غيرها، ممسوحة أو غير ممسوحة ، وفي كل أنحاء المملكة باسمها ، وبشكل مباشر  .

ورافق هذا الكتاب المسرب ، ضجة على المواقع الاكترونية ،ومواقع التواصل الاجتماعي ، إذ أصدرت القيادة العامة بيانا على لسان مصدر عسكري توضح فيه أن المقصود من طلب نقل ملكية الاراضي للقيادة العامة ، هو نقل الأراضي المخصصة لها منذ نشأتها ، والمقام عليها معسكرات وميادين تدريبها ، وشدد البيان على أن الموضوع لا علاقة له من قريب أو بعيد بالأراضي الحرجية، أو واجهات العشائر ، ولا داعي أبدا لتأويل الموضوع عن مقصده، أو تحميله أكثر مما يتحمل .

وعلى الرغم من بيان القيادة العامة ، إلا أن مدير عام دائرة الاراضي والمساحة ، وتحت عنوان ” هام وعاجل ” ، وجه لمديري تسجيل الأراضي في المملكة ، المباشرة في تسجيل الاراضي خلال اسبوعين من تاريخه ، وهذا ما تم بالضبط ، حيث تم نقل ملكية قطعة الارض رقم ( 21 ) من الحوض رقم ( 2) ، التابعة لقرية عرجان من أراضي محافظة عجلون ، إلى اسم المالك الجديد : القيادة العامة للقوات المسلحة الاردنية – الجيش العربي ، حسب القوشان المرفق.

والغريب في الموضوع ، أن الأمور تكال بمكيالين، حيث وجه وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات كتابا لدولة رئيس الوزراء يطلب منه الغاء قرار مجلس الوزراء بالموافقة على نقل ملكية قطع أراض من عجلون لهيئة الاستثمار بالموافقة على إنشاء مناطق تنموية في محافظة عجلون بالإشارة إلى كتاب دائرة الأراضي والمساحة بتاريخ 26/9/2017  ، كونها أراضي مسجلة حراجا لمخالفته لأحكام المادة ( 27 / أ ) من قانون الزراعة رقم 13 لسنة 2015 .

والأمر لم يتوقف عند الأراضي الحرجية ، حيث جرى الإعلان منذ يومين عن استملاكات حكومية بشكل رسمي، وقاطع للاراضي المزمع إقامة خط الغاز المستورد من “اسرائيل ” عليها ، والبالغة ( 344 دونما ) ، واستئجار ( 611 دونماً ) ، من اراضي ( 18 بلدة ) في محافظتي إربد والمفرق، والمزروعة بأشجار الزيتون، أو تجري فيها زراعات موسمية ، إلا أن أصحاب الاراضي يرفضون هذا القرار، ويطالبون بتغيير مسار الخط، والبحث عن أراض جرداء مملوكة للدولة.

هذه القرارات المفاجئة سببت ارباكا للعشائر في كل من مناطق ( ناعور ، والسلط ، والحمر، وبدر .. ) ، التي بدأت بالتشاور فيما بينها،تخوفا من الاعتداء والتغول على أراضيهم ، وواجهاتهم العشائرية ، والمطالبة بأن تبقى أراضي تابعة لخزينة الدولة، وأخذوا يتساءلون عن المقصود من إعطاء هذا القرار صفة القوة بربطه مع الجيش الذي يحظى بحالة من التعاطف الشعبي ، وخاصة من قبل الواجهات العسكرية التي أغلب ابنائها ينتسبون الى القوات المسلحة ، بعد أن تسلل الخوف الى قلبها ، لأن هناك سابقة بالتخلي عن أراضي القيادة العامة في منطقة العبدلي ، ومعسكرات الجيش في محافظة الزرقاء، التي تشكل جزءا من ذاكرة الوطن ، إلى جانب التخوف من وجود رابط بين قرار نقل ملكية الاراضي الحرجية مع قرار الحكومة الأخير بمنح الجنسيات للمستثمرين.

ويرى المواطنون ، أنه ليس هناك داع لمنح هذا القرار الحكومي صفة “هام وعاجل” ، ولا يوجد مبرر للسرعة في تنفيذه وتحديد المدة باسبوعين، لتغيير صفة استعمال الاراضي الحرجية إلى ملكية خاصة قابلة للبيع ، وبدأ المواطنون التساؤل عن أسباب نقل ملكية اراضي الدولة إلى الجيش ، الذي لا يوجد ما يعيق استخدامه لهذه الاراضي التي يشغلها اصلا .

إن التسارع في الاحداث ، والخاصة بنقل ملكية أراضي الدولة ، أو تلك القرارات التي من خلالها سيتم منح المستثمرين الجنسية الاردنية مقابل مبلغ مالي ، جعل الأسئلة التي تدور في الاذهان تتمحور حول : ما الذي يهددنا ؟! وماذا ينتظرنا، وبلدنا ؟

 

الاخبار العاجلة