صراحة نيوز – كتب د مالك فتحي العمايرة
عاش الأردن يوم 21/5 الماضي انقطاعا شاملا للتيار الكهربائي استمر أكثر من 5 ساعات في سابقة لم يحدث لها مثيل منذ ما يزيد على 17 عاما وفي بلد يعاني العديد من الأزمات وينفق جزءا كبيرا من دخله القومي على الطاقة. بمجرد حصول الانقطاع صرحت السلطات الأردنية بأن سبب المشكلة خلل في الجانب المصري الذي يربطه بالأردن خطان لنقل الطاقة الكهربائية بالاتجاهين وهو جزء من مشروع الربط الكهربائي العربي الذي كان يشمل 8 دول قبل بداية الأزمة السورية. الجانب المصري بدوره نفى مطلقا هذا الاتهام وأكد أن لا خلل لديه يمكن أن يتسبب بهذه المشكلة لتعود للتراجع عن ترحيل مشكلتها إلى الجانب المصري. ثم قامت شركة الكهرباء الوطنية باستقدام شركة ايطالية لدراسة أسباب هذا الانقطاع مما أثار غضبا عاما في البرلمان الأردني وعلى صفحات التواصل حيث يرى كثيرون أن ذلك كان لذر الرماد في العيون ولتغطية الفشل المتسلسل في إدارة قطاع الطاقة وليس له ما يبرره كون الأردن يمتلك الكثير من الخبرات الفنية القادرة على تحليل المشكلة ووضع الحلول. بررت الشركة استقدام الشركة الأجنبية بأن المشكلة معقدة وتحتاج إلى دراسات مطولة لمعرفة أسبابها، والسؤال الذي يطرح هنا: إذا كانت المشكلة معقدة لهذه الدرجة فكيف تمكنت الشركة من تحديد الأسباب وتوجيه الاتهام للجانب المصري خلال ساعات من حدوثه.
ويعتقد خبراء أن النجاح في إعادة التيار واستقرار الشبكة لم يكن ليتم خلال ساعات لولا تعاون الجانب المصري بتزويد الشبكة بأكثر من 100 ميغا واط من القدرة الكهربائية. بحساب تكلفة الانقطاع الشامل للكهرباء لمدة 5 ساعات باستخدام المعاير العالمية بالنظر إلى معدل الاستهلاك المتوقع خلال فترة الانقطاع والدخل القومي للأردن فقد بلغت الخسائر أكثر من 18 مليون دينارا ناهيك عن الخسائر الأخرى كتلف الأدوية والأغذية وغيرها والسؤال الواجب هنا: من سيتحمل هذه الخسائر؟
إنه وضمن المعلومات المنشورة والتقارير المتعددة من المستغرب حصول هذا الانقطاع الخطير دون تدخل فني بسيط كان يمكن أن يمنعه، كما لا يقل غرابة عدم القدرة على إعادة التيار قبل مرور ساعات طويلة. ابتداء من الواضح أن توزيع خليط التوليد بين الطاقة المتجددة والتقليدية والطاقة المستجرة من الشقيقة مصر لم يراع شروط الأمان في النظام الكهربائي وخصوصا في ضوء الاعتماد على خط الربط المصري 220 كيلو فولت الذي يمتد لحوالي 500 كم في الأراضي المصرية (كون الخط الرئيس كان تحت الصيانة) وخطورة ذلك على النظام الكهربائي في حالة حصول حالة تأرجح على النظام في أي نقطة من نقاطه داخل المملكة الأمر الذي سيتسبب في نشوء أمواج تأرجح أحمال كهربائية منتقلة تدخل الخط المصري الطويل لترتد بشكل أقوى وتساهم في ما حصل من انهيار النظام بشكل كامل. وفي ضوء غياب شبه كامل للمعلومة الرسمية فقد أشار البعض إلى أن إحدى محطات التوليد المحلية كانت قد تسببت بالتأرجح في التيار الكهربائي فتطورت هذه الحالة ضمن المعطيات المذكورة والتقصير في اتخاذ الإجراءات اللازمة حتى انهار النظام، إلا أن الكهرباء الوطنية لم تؤكد هذه المعلومة ولم تنفها.
وذهب خبراء إلى أن التأخر في إعادة تشغيل النظام والذي تسبب بتلف أدوية وأغذية بقيمة تبلغ الملايين في بلد يشكو اقتصاده من أزمة اقتصادية متنامية كان بسبب عدم المبادرة بإلزام شركات التوليد الحرارية بالاتفاقيات الموقعة معها والتي تقتضي ضرورة إبقاء هذه الشركات على مولداتها في حالة تشغيل بالحدود الدنيا باستمرار تحسبا لأي طارئ (Black start) الأمر الذي لم يتم وكانت معظم هذه المولدات في حالة الإطفاء التام وقت حدوث المشكلة مما تسبب في تأخير إعادة التيار الكهربائي للمملكة حوالي 6 ساعات. كانت المولدات مطفأة بالرغم من تقاضي هذه الشركات أثمان الطاقة الكهربائية المتفق على توليدها من خلال اتفاقيات طويلة الأمد أثارت الكثير من الجدل في الشارع الأردني. ونعلم أنه يتم إلزام المواطن الأردني بدفع واحد من أعلى الأسعار عالميا للكيلو واط ساعة من الكهرباء بالإضافة إلى تحميله جزءا من خسائر شركة الكهرباء الوطنية الحكومية على شكل رسوم مثل رسم فرق أسعار المحروقات وغيره.
يؤشر أسلوب إدارة الأزمة منذ البداية إلى رغبة في شراء الوقت لإخفاء الأسباب الحقيقية للانقطاع وللتأخر في إعادة التيار وكأن الأمر يتجاوز الخلل الفني إلى أسباب أخرى تتعلق بدور الشركة في تسيير القطاع كونها المسؤولة عن كافة الاتفاقيات الفنية مع شركات القطاع وأن كل تلك التكهنات كانت لتزول لو أنها مارست الشفافية من البداية فليس من العيب حصول خلل فني لكن المسؤولية تقع على الشركة بالقيام بدورها المحوري في القطاع والتخطيط السليم تحسبا للطوارئ الأمر الذي لم يشر التقرير الفني الصادر عنها إلى قيامها به.
وقد قامت شعبة الهندسة الكهربائية في النقابة بتشكيل لجنة متخصصة ضمت بعضا من أفضل الخبرات الوطنية في التشغيل والتحكم في أنظمة الضغط العالي الكهربائية وقامت اللجنة بمخاطبة الجهات المعنية لعرض الخدمات الفنية لنقابة المهندسين كونها بيت الخبرة القادر على تقديم المساعدة للوصول إلى تحليل علمي وهندسي كامل لما حصل وأسباب ذلك إذا تم تمكينها من الوصول لسجلات الأعطال والأحداث في مركز التحكم والتي ترى اللجنة إمكانية التوصل من خلالها إلى الأسباب الكاملة لمشكلة الانقطاع الشامل خلال وقت قصير باستخدام الخصائص المتوفرة على أنظمة التحكم في الشركة(Electrical SCADA). إلا أن اللجنة والنقابة قد واجهتا الضغوط لتحييدها كما قامت لجنة الطاقة النيابية بتشكيل لجنة موازية مع أنه كان من الأولى الرجوع لأصحاب الاختصاص ولم تتلق النقابة لتاريخه أي رد رسمي من الشركة الوطنية. إن وزارة الطاقة والشركة مطالبتان اليوم بشكل أكبر بتحمل المسؤولية الأخلاقية عن هذا الفشل في النظام الكهربائي وبالشفافية وإتاحة المجال للخبراء الأردنيين للمساهمة في تحليل الخلل ووضع الخطط الكفيلة بعدم تكراره ولا يزال حاضرا في ذهن الأردنيين القرار الشجاع لوزير الصحة السابق د. نذير عبيدات الذي آثر تحمل المسؤولية الأخلاقية لحادثة مستشفى السلط وتقديم استقالته من منصبه على إثرها. أما في حالة وجود تقصير أو تفريط فالأمر يستحق التحقيق القانوني ومعاقبة المسؤولين عن هذه الخسائر وتعريض أمن البلاد للخطر.