صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
يناقش مجلس النواب هذه الأيام قانون تقاعد الوزراء، الذي قدمته حكومة الدكتور عمر الرزاز للمجلس الثامن عشر في دورته الاستثنائية. وقد نشرت جريدة الرأي شبه الرسمية يوم السبت الماضي بعض ملامح هذا القانون، التي اشترطت أن يكتسب الوزير حق التقاعد بعد خدمة سبع سنوات، في الوزارات أو الدوائر الحكومية أو المؤسسات الرسمية العامة أو البلديات.
لا أعرف ما هي الحكمة في اعتماد الحكومة خدمة سبع سنوات للوزير خدمة مقبولة للتقاعد، مع أن دولة الرئيس نفسه قد تحدث عن خدمة عشرات السنوات، حتى يستحق الموظف راتب التقاعد طيلة الحياة. فهل اعتمد الرئيس على صعوبة وخطورة الخدمة التي يواجهها الوزير في منصبه، واختزل المدة بسبع سنوات ؟ أم استنبطها من سورة المثاني السبع ( الفاتحة ) في القرآن الكريم ؟ أم نقلها عن السنوات السبع العجاف التي تنبأ بها سيدنا يوسف لعزيز مصر ؟
لقد قال دولة الرئيس الرزاز في أول تصريح له عند توليه الحكم : ” إنه لا يجوز ولا بأي معيار من العدالة، أن يتحصل الوزير على راتب تقاعدي مدى الحياة مقابل خدمة شهرين أو ثلاثة أشهر، في وقت يعمل فيه الموظف لعشرات السنوات للحصول على راتب تقاعدي …”. أطربنا هذا الكلام العقلاني في حينه، واعتقدنا أن دولته سيحقق العدالة بين الموظفين ويقلص النفقات المالية في الدولة. ولكن خاب أملنا فيما توقعناه بعد أن تسربت معلومة السنوات السبع في القانون الجديد.
وإذا ما أردنا الإنصاف وتحقيق العدالة دعونا نقارن بين طرفين متماثلين من حيث المكانة في خدمة الدولة، وهما الوزير والجنرال في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وعندها سنجد أن الفرق شاسع بين الطرفين من حيث التأهيل الوظيفي، والامتيازات، ومدة الخدمة المقبولة للتقاعد، وظروف العمل بما يكتنفها من خطورة للطرف الثاني يعرفها الجميع.
وتأكيدا لهذا الكلام سأورد القصة التالية، رغم أنني ذكرتها في مقال سابق، ولكني لا أجِد ضيرا في تكرارها لعلها ترسخ القناعة، لدى المشرعين الذين يناقشون القانون حاليا ولدى بقية المواطنين : فعندما عُين الجنرال إلكسندر هيج وزيرا لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية، في عهد الرئيس ريجان بأوائل الثمانينات من القرن الماضي، سأله أحد الصحفيين : ما هو الأكثر صعوبة عليك أن تكون وزيرا في الحكومة الأمريكية أم جنرالا في القوات المسلحة ؟ فأجاب هيج : ” عندما أصبحت جنرالا استنزفت من عمري ٣٧ عاما من الجهد والعناء والمخاطرة بحياتي. ولكن عندما أصبحت وزيرا في الحكومة، لم استنزف من الجهد سوى محادثة قصيرة مع الرئيس امتدت لنصف ساعة في الطائرة “. أما عندنا في الأردن فيكفي أن تكون صديقا للرئيس المكلف أو عضوا في شلة معينة أو مدعوا من جهة متنفذة.
وبناء عليه أتساءل : لماذا تعطى دولتنا هذه القدسية للوزير، بخلاف كل وزراء دول العالم ؟ وهل هذه المكرمة هي إقتداء بالبقرة المقدسة كما في الديانة البوذية ؟ أم هي قدسية الملائكة التي تهبط على الوزير في ليلة قمرية؟ فيحظى بكل تلك الامتيازات من حيث الرواتب، وتدوير الكراسي من وزارة إلى أخرى ومن إدارة إلى غيرها، محمولا على أكتاف المواطنين، إلى أن يودع الحياة بعد أن يورث أبنائه مناصب مختلفة ؟ بينما في حالة الجنرال الذي يتحمل مسؤولية قيادة وإدارة آلاف الرجال من الضباط والجنود في مختلف الظروف، ويتحمل مسؤولية الدفاع عن الوطن لمدة لا تقل عن ربع قرن، لا يحظى بتلك الامتيازات التي يتمتع بها الوزير المقدس، ولا يحصل على نصف راتبه التقاعدي.
وعلى ضوء ما تقدم أتساءل : أين العدل الذي تتحدثون عنه أيها المسؤولون ؟ ولماذا لا يخضع الوزير لقانون الخدمة المدنية كما في بقية دول العالم المتقدمة ؟ وهل يمكن لمجلسنا التشريعي أن يصحح ميزان العدالة المائل في الدولة، ويراجع أيضا قوانين التقاعد المدنية والعسكرية عامة، ليصحح الثغرات فيهما بما يتناسب والوقت الحاضر إنصافا الجميع ؟
ختاما وبمناسبة مناقشة قانون تقاعد الوزراء في مجلس النواب حاليا، أرجو أن لا يُفهم من كلامي بأنني أطالب بمساواة تقاعد الجنرال بتقاعد الوزير، بل أطالب بمساواة تقاعد الوزير بتقاعد الجنرال، من حيث المدة الزمنية والمردود المادي، بما يحقق العدالة المفترى عليها، وتوفير النفقات على خزينة الدولة. فهل يفعلها مجلس النواب الثامن عشر لتكون نقطة مضيئة في مسيرته التشريعية، أم أنني أطلب مستحيلا يصعب تحقيقه ؟
التاريخ : 4/٩/٢٠١٨