صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
من يـتأمل الأوضاع الحالية على الساحة الأردنية، يتوجس خيفة من ثورة الجياع الكامنة كالنار تحت الرماد، والتي تبدو مؤشراتها من خلال الشكاوى المستترة، التي يتداولها الناس داخل الغرف المغلقة، والظاهرة بحركات الاحتجاج في الميادين والساحات العامة من قبل في مختلف المدن الأردنية. وما شاهدناه خلال الأسابيع الماضية من فعل الشباب، الذين قطعوا مئات الكيلومترات سيرا على الأقدام من مختلف أنحاء المملكة، ليعتصموا أمام الديوان الملكي – وليس أمام الحكومة – لهو أكبر شاهد على ذلك.
و تحت أحوال الطقس الماطر والبرد القارس راح أولئك الشباب يفترشون الأرض ويلتحفون السماء دون طعام أو شراب. كانت مطالبهم تتلخص بإيجاد أعمال لهم يعتاشون منها ويواجهون متطلبات الحياة. فتلقوا أخيرا مساعدات مالية بسيطة ووعودا بتوظيفهم، كما أن بعضهم تم توظيفهم في بعض شركات القطاع الخاص، وليس في مؤسسات وشركات حكومية كما هي مسؤوليتها الرسمية. هذا بالإضافة إلى الاعتصامات التي تقوم بها مختلف قطاعات مختلفة بين حين وآخر.
والتاريخ يؤكد بأن الجياع قد يقدمون على أعمال تهدد المجتمع وتخل بالأمن والاستقرار، لأن الجياع لا يملكون شيئا يخافون على فقدانه، خاصة إذا عرفوا بأن جوعهم ناتج عن سرقات الفاسدين من أموالهم كدافعي ضرائب، أو نتيجة لسوء إدارة الدولة وتوريطهم بديون فلكية ليس لهم ذنبا بها.
وثورات الجياع أطاحت بعروش وإمبراطوريات عظيمة في العصور الماضية، منها ثورة الحرافيش في العهد المملوكي في مصر، مرورا بالثورة الفرنسية، ووصولا إلى العصر الحديث عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، وأطاحت بزين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن.
لقد حظي الجوع باهتمام كبير في عصر الإسلام، فقد جاء ذكره في القرآن الكريم بقوله تعالى : ( الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ). أما الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد قال : ” عجبت ممن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج للناس شاهرا سيفه “. وفي عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز فقد كان الناس في بحبوحة من العيش إذ قال لعماله : ” أنثروا القمح على رؤوس الجبال، حتى لا يقال جاع الطير في بلاد المسلمين “.
أما في عصر الثورة الفرنسية التي اندلعت في أواخر القرن الثامن عشر، فقد وصفها جواهر لال نهرو في كتابه ” لمحات من تاريخ العالم ” كما يلي وأقتبس : ” إن كثيرا من ساستنا الضليعين بأحكام القانون يتشدقون بالقوانين والدساتير، ولكنهم يُسقطون من حسابهم هؤلاء البشر الذين وُضعت القوانين والدساتير لخدمتهم. إن السياسة الحقيقية لسكان الملايين من أكواخنا الطينية والأحياء الفقيرة هي المأكل والملبس والمأوى . . !
هكذا كانت فرنسا في عهد لويس السادس عشر. فقد افتُتح ذلك العهد باضطرابات ناتجة عن الجوع استمرت أحد عشر عاما، وتلتها فترة استراحة قامت على أثرها مقاومة من جانب الفلاحين. ولما قامت المظاهرات في ديجون طلبا للطعام، خاطب الحاكم للشعب المتضور جوعا قائلا : ” لقد نبت الحشيش، فاغشوا الحقول وارعوا ما شاء لكم ذلك “. وتحولت جموع عديدة من الشعب إلى شحادين محترفين، حتى أذيع رسميا في عام 1777 أن عدد الشحادين في فرنسا بلغ مليونا ومئة ألف شخص …
لم يلتفت الملك والملكة لسوء الحالة وراحا يواصلان ابتزاز الأموال، فعجزت الميزانية وتراكمت الديون، واستحقت ماري أنطوانيت لقب ( السيدة المتلفة ). ولما سُدت السبل في وجه الملك، تفتق ذهنه ( في عام 1789 ) عن فكرة دعوة المجلس العام، الذي يضم ممثلي الطبقات الثلاث التي تؤلف الشعب الفرنسي وهي: النبلاء ورجال الدين والعوام لفرض ضرائب جديدة. ولكن سرعان ما أدركه الندم على هذا العمل لأن الطبقة الثالثة وهي طبقة العوام، أصرت على عدم شرعية الضرائب إذا لم تفرض بمشورتهم . . .
ولم يكن لويس كفؤا للعوام، ولما أمر بإخراجهم من قاعة الاجتماع، اجتمعوا في ملعب قريب للتنس وأقسموا ألا يغادروا المكان إلا بعد وضع الدستور. وعندما حاول الملك إخراجهم من المكان بالقوة عصي الجنود الأمر. والظاهر أن الأزمة تصل مرحلتها الحقيقية في الثورات، عندما يعصى الجيش الأمر بإطلاق النار على إخوانه من أفراد الشعب وأسقط في يد لويس. غير أن حمقه حمله على طلب النجدة الأجنبية لمحاربة الشعب. ولم يغفر الشعب للويس ذلك، وقام في باريس قومته التاريخية في 14 يوليو 1789، حيث توجه إلى سجن الباستيل واحتله وأطلق سراح المعتقلين فيه.
كان سقوط الباستيل حدثا تاريخيا عظيما في تاريخ العالم، لأنه أشعل الثورات الشعبية في جميع أنحاء فرنسا، وقضى على النظام القديم، وقوض الإقطاع والملكية وعهد الامتيازات، وهز جميع ملوك وأباطرة أوروبا . . . وكان بلاط الملك في هذه الأثناء في فرساي بعيدا عن أعين الشعب الباريسي، الذي كان يلتقط أنباء القصر والولائم والبذخ، فيزداد تضوره وتزداد نقمته. ولهذا زحف الشعب إلى قصر فرساي، وحمل الملك إلى باريس في موكب يُعد أغرب موكب من نوعه . . ! “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق :
ما نلاحظه هذه الأيام من حالة العِوز لدى معظم المواطنين، وعدم قدرتهم على مواجهة أبسط متطلبات الحياة، إضافة لتردي أحوال مختلف القطاعات : التعليمية، الزراعية، الصناعية، التجارية، السياحية، النقل، وهجرة المستثمرين، يقابلها تقصير الدولة في معالجة تلك القضايا المجتمعية بشكل عام، يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا ونخشى على مصير الوطن.
فالشعور العام لدى المواطنين بأن الحكومة وجميع المسؤولين في سدة الحكم، يتحدثون بلغة بعيدة عن معاناة الناس، ويدّعون بأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح ولا داعي للقلق، وكأنهم يعيشون في عالم آخر بعيد عن الواقع. وهذا بحد ذانه ما يبعث على الخوف من انفلات الأمور تحت ضغط الحاجة، فتؤدي إلى الإخلال بالنظام وتقويض استقرار الدولة، لا سمح الله. وهنا أود أن أذكر بما قاله الشاعر في ثمانينات القرن الماضي :
وربما . . ربما . . يا ليت ربتها * *
تصحو فتنقذها من شر طوفان
التاريخ : 22 / 3 / 2019