احيانا كثيرة تصاب بالذهول والصدمة وتقف عاجزا عن الكلام ويتملكك شعور بان كل المفردات ستخذلك و تتنحى عنك جانبا, واللغة بكل تفاصيلها لا تخدمك في شيء, والعبارات صامتة بشكل مريب تشفق عليك , ولن تسمح لك بشرح ما يجول في خاطرك ,حالة من العناد تتركك صريع العجز مستسلما لحالة ترفض ترجمة الالم و الحزن الى حبر على ورق هذا الزمن الرديء الذي نعيش مشاهده يوميا بعيون مملوءة بدموع العجز و عدم القدرة على صنع تغيير يذكر فالمخرج الذي يتحكم بالمشهد لا يمت لهذه الارض بصلة.
فاي لغات العالم ستشرح حالة ذاك الطفل الملقى على قارعة طريق يبكي الالم و اوجاعا لا نقوى نحن الكبار على تحملها, بلا ذنب اقترفه , و دمعته تسيل على خده البريء وكأني به يقول … لماذا انا ؟؟؟؟ماذا صنعت لتعاملوني بهذه الهمجية؟؟؟, نعم ماذا صنع لكم هذا الصغير؟, هل هدد امنكم؟؟ هل نازعكم ملكا او حكما؟, هل نافسكم على نفوذ؟, هل رفع السلاح بوجه اي منكم؟, تبا لكم, تبا لكم, تبا لكم .
واذا كان قلب كل من راقب المشهد من خلال شاشة تلفازه انفطر من هول المنظر, فاي مفردات الدنيا ستجروء على ترجمة حالة ام ترى صغيرها يتعذب بفعل اسلحة كيميائية محرمة, ويموت امامها ببطىء بلا حول لها ولا قوة.
لن اتحدث عمن ضرب خان شيخون بمثل هذه الاسلحة المحرمة دوليا ولن اتهم اي طرف من الاطراف لانهم كلهم شركاء في جريمة سحق الشعب السوري الشقيق, فلا النظام بريء من دم شعبه ولا القوى الاقليمية والدولية معفية من المسؤولية القانونية والجنائية ولا حتى الاخلاقية بحق هذا الشعب المكلوم.
وانا هنا لست في مقام الحديث عن هذا الطرف او ذاك ولا حتى بترجيح اتهام طرف على اخر, بل انني متوقف عند مشهد رآه الجميع عبر شاشات التلفاز, رجالا ونساء, واطفالا في عمر الورود اضحوا جثثا هامدة بفعل السلاح الكيميائي , و قبل هذه الجريمة البشعة جرائم حرب اخرى وجرائم قتل جماعية و ذبح للمدنيين وقصف وبراميل متفجرة وتجويع وتهجير و حصار هنا او هناك وكل ما له علاقة بالاانسانية يمارس على ارض سوريا, تصرفات همجية و بربرية ونحن في الالفية الثالثة, فهل عاد حكام و اباطرة القرون الوسطى؟؟ وهل تم اعادة انتاجهم من جديد؟؟, في زمن الحضارة والحديث عن الديموقراطية والحرية وتبجح الغرب بحقوق الانسان فاين نحن من كل المواثيق والاتفاقيات التي حدثتمونا عنها طوال عقود خلت.
لقد اضحى الناس بالنسبة للساسة و قادة الجيوش واعداء السلام والانسانية مجرد احصائيات, ارقاما لا اكثر , اخبار تتوالى حتى اصبح الخبر العاجل المملوء بالدماء ثابتا على شاشة القنوات الاخبارية والخبر الخالي من القتل والتدمير استثناءا , دماء تسفك و ارواح تزهق بلا ضمير او اي نوع من مشاعر التعاطف.
اي دافع هذا الذي يحرك من يوجه فوهة بندقيته او قذيفة دبابته او صاروخ طائرته نحو شعب اعزل, واي قلب ينبض بالحياة يمكن له القيام بمثل هذه الممارسات , اهم بشر مثلنا , الهم اسر واطفال , ايسري في عروقهم دم احمر قاني كذاك الذي لطخت ايديهم به, اسلحة حديثة وتكنولوجيا متطورة من اجل قتل السلام في بلاد السلام, فهذه الارض المباركة هي ذات الارض التي خرج منها محمد (صلى الله عليه و سلم) و من قبله عيسى (عليه السلام) وجل الانبياء , ارض تضم مكة والمدينة والقدس وبيت لحم , قتلوا امنها وامانها واستقرارها واودوا بحياة ابنائها ونزعوا كل امل بقادم جميل , انهم يقتلون المستقبل و يقتلون احلام البشر.
انها اشكالية الخير والشر و معادلة الحق و الباطل, تتجلى بكل تفاصيلها في حياتنا نحن العرب و’خان شيخون’ عاشت لحضة من لحضات الشر القاسية في معادلة القهر والظلم الذي يمارسه الانسان على اخيه الانسان , و لكن عزاؤنا الوحيد ان للباطل جولة و للحق جولات , فلاتهنوا و لا تحزنوا فانتم الاعلون باذن الله, و الى جنات الخلد يا شهداء ‘خان شيخون’.
مخلد البكر