يبدو المزاج العام للأردنيين، في هذه المرحلة، بأسوأ حالاته، الأسباب، سواء أكانت داخلية أم خارجية، لا تخفى على أحد، ولا تحتاج لمزيد من النقاش، بعضها أصبح قدرا لا مفر منه، وبعضها يحتاج لقرارات سهلة وعاجلة، وربما إطفائيات سياسية. الآن، لا يستطيع أحد أن يقنع الناس بمنطق العقلانية والحكمة، يبدو أن قطارهما فات، المطلوب أن نتوافق على هدنة، تتوقف فيها ميكنة الاستفزاز الرسمي تماما عن الدوران، ونفسح المجال أمام الأردنيين لالتقاط أنفاسهم، واستعادة توازنهم النفسي والاجتماعي. لدي أربع وصفات، أضعها على طاولة الرئيس، وطاقمه الوزاري، لوجه الله مجانا، ليس لتحقيق ما وعدنا به” القادم أجمل”، فهذا ليس وقته، وإنما للخروج من محنة الأشهر الستة المقبلة، نحو سكة السلامة، فالجميع يدرك، تماما، أن قطار نفاد صبر الناس أصبح أسرع مما نتصور، وأن أبطاء دوران عجلاته، بما يلزم من الكوابح، مهمة وطنية، بل واجب الوقت بامتياز. الوصفة الأولى، في مثل هذه الحالة التي يضطرب فيها المزاج الشعبي،لا يجوز أن يوجه اللوم أو الاتهام للمجتمع، حتى لو كان يتحمل قسطا من الخطأ، من يقول للأردنيين، ولو كان محقا، تقشفوا وشدوا أحزمتكم، لنتجاوز عام الـ”مسغبة”، سيواجه بردات فعل عكسية صادمة، تنبش الدفاتر القديمة، وتستدعي كل ما يخطر على البال من أخطاء الحكومات والمسؤولين، حكمة امتصاص الغضب هنا واجبة، من خلال خطاب آخر، يبادر إليه مسؤولون أذكياء وشجعان، يفهمون الشارع، ويتعاملون معه بلغته وبإحساسه أيضا. الوصفة الثانية، المواطنون يمكن أن يتحملوا الصدمات على جرعات، لكن ردودهم ستكون مختلفة حين يفاجئهم المسؤولون، على التناوب، بشلالات من التصريحات والتحذيرات، خذ مثلا أحدهم يخرج بقصة رسوم على الطرق، آخر بارتفاع أسعار المياه، ثالث بالرفعات الأربعة على المحروقات، خامس بإمكانية رفع أسعار الخبز تبعا لكلفة استيراده التي تضاعفت عالميا، هذه الأخبار غير السارة، حين تأتي دفعة واحدة، تفقد الناس أعصابهم، فيتدافعون من حيث لا يشعرون، للانكفاء على أنفسهم، أو الرد بعنف، أو التصرف بمنطق لن نخسر شيئا. الوصفة الثالثة، الحكومات غالبا تضع أجندة القضايا المطروحة للنقاش، من خلال الإعلام، أخطر ما يمكن أن تضعه، بهذه المرحلة، قضايا تتعلق بالنواميس الوطنية، التي يشكل الخلاف حولها انقساما داخل المجتمع، أو مجالا لإلهاب المشاعر، والاحتكام للغرائز، مجرد أن”يتكلموا بالقضية”، يتحول الجمهور إلى طرفين، مع أو ضد، وتدفع الدولة من استقرارها، والتفاف الناس حولها، ثمنا باهظا، المطلوب، الآن، أن يكون على أجندة الأولويات قضايا توافقية، تحافظ على التماسك، وتهدئة الخواطر. الوصفة الرابعة، الحكومة بحاجة للترشيد، في الخطاب وفي المال أيضا، أسوأ ما يمكن أن يصدر عن المسؤولين هو الاستهانة بأوضاع الناس وأرائهم، أو التعامل معهم بمنطق الاستعلاء و”الأستذة”، صحيح لا يوجد ما يكفي من مال بالخزينة لتعويض المواطنين عما يتكبدونه نتيجة الغلاء، لكن يمكن ترشيد الإنفاق الحكومي، ووقف الهدر على شراء ما لا يلزم من سيارات وحفلات ..الخ، والأهم هو ترشيد الخطاب، على قاعدة “فليسعد النطق إن لم تسعد الحال”. الوصفة الخمسة، النزول للميدان، والتواصل مع الأردنيين بقراهم وبلداتهم ومخيماتهم، ثم مواجهة أسئلتهم، وحتى عتبهم وغضبهم، واجب الحكومة، وكل المسؤولين، ولا يجب الاعتذار عنه، لأن القطيعة مع الناس، أو إرسال الرسائل إليهم عبر المكاتب والإعلام، يفهم في سياق عدم الاهتمام وعدم التقدير، ويعكس حالة “عجز” حكومي عن مواجهتهم، وربما الخوف من الاشتباك معهم وجها لوجه، هذا أيضا على قاعدة “لاقيني ولا تغديني”. لاحظ أنني تعمدت عدم أدراج ملفات ووصفات أهم، كنت أشرت لها بمقالات سابقة، قضية الحريات العامة، الانفراج السياسي، بدائل رفع الأسعار للتخفيف من وقع الغلاء، مشكلة المعلمين والموقوفين غير الجنائيين، وغيرها، هذه أستأذن القارئ أن اتركها لفطنة الرئيس، وحسن تدبيره وتقديره.