صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
تتفجّر في الأردن بين حين وآخر أزمات مختلفة، منها ما هو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي يلمسها الجميع. ومعظم تلك الأزمات هي من صنع أيدي بعض المسئولين، الذين لا يفكرون في عواقب قراراتهم غير المدروسة. وهكذا يورطون البلاد في قضايا شائكة، يدفع المواطنون ثمنها دون حساب لفاعليها.
آخر هذه الأزمات هي تلك التي بدت تلوح في الأفق، وتؤشر لاقتراح وزير الداخلية المتضمن تجريد المواطنين من أسلحتهم، سواء كانت مرخصة أم غير مرخصة، خلال الأشهر الستة القادمة تحت ذريعة : ” الحد من الجرائم التي تقع نتيجة لاستخدام الأسلحة النارية “. لا أعرف ما هي الفكرة العبقرية التي تقف وراء هذا الاقتراح، الذي تفوق سلبياته كل إيجابياته ؟
لقد اعتاد الشعب الأردني على امتلاك أسلحته الشخصية منذ تأسيس الدولة، وخاصة العشائر التي تعتبر السلاح الشخصي، جزءا من تقاليدها العريقة وعرفا متمما لزيها العربي. هذا بالإضافة لكونه وسيلة للدفاع عن النفس، فأصبح حقا شخصيا لكل مواطن، تحترمه معظم دول العالم ومن بينها الأردن حتى الآن.
فالولايات المتحدة الأمريكية تأتي على رأس تلك الدول، التي تسمح لمواطنيها بحيازة سلاح شخصي يمكن شراؤه من المحلات التجارية، ويستطيع أي شخص أمريكي أتم 18 عاما من عمره، شراء مسدس وبندقية صيد، وعند بلوغه 21 عاما يسمح له أيضا بشراء بندقية نصف آلية.
ففي صباح كل يوم يحمل مليون مواطن أمريكي سلاحه الشخصي معه طيلة النهار، ويحتفظ مليوني شخص آخرين بأسلحتهم الشخصية في سياراتهم، علما بأن 12 % فقط من الأسلحة الموجودة مع الأشخاص مرخصة و 88 % غير مرخصة. وعندما حاولتْ بعض الولايات الأمريكية تحجيم حق الأفراد في حمل السلاح، تزايدت الجريمة بنسبة 300 %.
توماس جفرسون، الرئيس الثالث للولايات المتحدة خلال الأعوام (1801 – 1809)، والذي نادى بمبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان قال : ” إن أقوى الأسباب التي تجعل الناس يحملون السلاح، هو حماية أنفسهم من طغيان الحكومة “.
وفي الدول المتقدمة كسويسرا مثلا، تُعتبر حيازة السلاح من قبل المواطنين تقليدا شعبيا قديما، وقد رفض مواطنوها في استفتاء شعبي عام 2011، أية قيود على امتلاكهم للأسلحة. ولهذا نجد أن ما يزيد على نسبة 45 % من الشعب السويسري، يملكون أسلحة شخصية. وكذلك في فنلندا 45 % يملكون السلاح، وفي آيسلندا 30 %، وفي النرويج 31 %، وفي كندا 30 %، رغم أن القانون الكندي يحظر ذلك.
وبالنسبة لبريطانيا وفرنسا، فهنالك قيود مشددة في امتلاك السلاح من قبل المواطنين. وفي إسرائيل يُسمح لكل من اجتاز تدريبا عسكريا، ولائقا صحيا وليس لديه ماض جنائي، بالحصول على سلاح مرخص. علما بأن معظم الشعب الإسرائيلي رجالا ونساء مدربون على الأعمال العسكرية، ولم نسمع أن الحكومة الإسرائيلية جردتهم من أسلحتهم الشخصية، كما ينوي رئيس الحكومة ووزير الداخلية فعله.
أما قدماء العرب فكانت أسلحتهم – سواء السيف أو البندقية – جزءا من تقاليدهم العريقة، ويعتبرونها كالشرف الذي لا يمكن التفريط به، اعتمادا على مقولتهم المعروفة : ” ثلاثة لا تُعار للغير: الزوجة، والسلاح، والفرس “. فالسلاح لا يتم التخلي عنه بسهولة، حتى لو كان بالإعارة المؤقتة لصديق، لأنه يُعتبر مصانا كالشرف. كيف يمكن في هذه الحالة التسامح مع حكومة تسعى لتجريد المواطنين من أسلحتهم الشخصية، التي يدافعون بها عن أنفسهم وعن أعراضهم عند الضرورة.
فهل أصبحنا في المدينة الفاضلة، التي يعم بها الأمن والسلام ؟ ثم كيف تتناسى الحكومة التهديدات الظاهرة والمستترة، سواء من العدو الإسرائيلي أو من داعش والجماعات الإرهابية الأخرى؟ وبعكس ذلك كنت أعتقد أن رئيس الحكومة / وزير الدفاع، سيقوم بتدريب وتسليح المواطنين، من خلال مؤسسات المقاومة الشعبية المنظّمة، بدلا من تجريدهم من أسلحتهم الشخصية.
وإن كانت حوادث إطلاق النار قد أودت بحياة العديد من المواطنين، فما رأي رئيس الحكومة ووزير الداخلية في حوادث السير التي تحصد العديد من الضحايا كل يوم ؟ لقد أظهرت إحصائية مديرية الأمن العام لحوادث السير خلال عام 2018، أن مجموع الإصابات بتلك الحوادث بلغت 16,774 منها 571 إصابة مميتة، و 1021 إصابة بليغة، و 3746 إصابة متوسطة. ألا تستحق هذا الحوادث اهتمام رئيس الحكومة و وزير الداخلية، قبل أن يتوجها إلى تجريد المواطنين من أسلحتهم الشخصية ؟
يقول وزير الداخلية في اجتماع نيابي مع الحكومة خلال الأسبوع الماضي، بأن 92 % من الجرائم التي ارتكبت في الأردن، كانت بأسلحة غير مرخّصة. فلماذا إذاً يتم تجريد كافة المواطنين – حتى الملتزمين منهم بالقانون – من أسلحتهم الشخصية ؟
ولا بد أن أذكّر بهذه المناسبة بالمثل الشعبي القائل : ” إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع “. ولكن حكومتنا الموقرة تطلب من المواطنين غير مستطاع لكي تصنع أزمة جديدة، يُجبر بها المواطنون على عدم الاستجابة لطلبها، للأسباب التالية :
1. لن تستطيع الحكومة إحصاء أعداد الأسلحة غير المرخصة الموجودة بأيدي المواطنين، وسيكون التجاوب في تسليم السلاح محدودا مع احتمال وقوع الحوادث.
2. إذا قامت الحكومة بمصادرة الأسلحة المرخصة، فسيعتبر أصحابها بأنهم تلقوا العقاب لتقيدهم بالقانون، وترخيص أسلحتهم الشخصية بصورة رسمية.
3. لابد للحكومة من دفع أثمان الأسلحة المصادرة لأصحابها، ورغم أن أثمانها ستقل عن سعرها الحقيقي مما لن يرضى أصحابها وسيسبب حنقهم على الدولة، إضافة بأنها ستشكل عبئا ماليا يثقل كاهل الموازنة.
4. سترتفع قيمة الأسلحة غير المرخصة، وستشجع على عمليات التهريب من خارج البلاد إلى داخلها.
5. سيتوقف المواطنون عن ترخيص أسلحتهم مستقبلا، الأمر الذي سيخفض دخل الخزينة.
6. هذا التصرف سيبعث الشك في نفوس المواطنين حول نوايا الحكومة، بخدمة أغراض سياسية ليست في صالح الوطن.
وبنا على ما تقدم، أرجو أن تعيد الحكومة التفكير في مشروع قانون سحب الأسلحة من المواطنين، لما له من آثار سيئة على الأمن والاستقرار، ووقوع ما لا تحمد عقباه من خلال إتباع النواحي التالية :
1. الإبقاء على الأسلحة الشخصية الصغيرة ( المسدس والبندقية العادية وبندقية الصيد ) مع المواطنين، والسماح بترخيص أمثالها في المستقبل.
2. استرداد البنادق الرشاشة أو أية أسلحة أثقل من ذلك من المواطنين، حتى وإن كانت مرخصة، مقابل دفع الثمن لمالكيها.
3. لا يرخص السلاح إلا لمن يبلغ عمره 20 عاما فما فوق، بعد التأكد من حالته النفسية ودراسة تاريخه السابق.
4. إيلاء حوادث السيارات التي تشكل حربا غير معلنه بين المواطنين، اهتماما أكبر للحد منها مستقبلا.