أنا أستغرب أين الأم والأب ودورهم في متابعة البنت والابن لمواعيد خروجهم، من المنزل إلى المدرسة والجامعة،ومواعيد العودة للبيت،وأستغرب أكثر كيف يُسمح لهم بالعودة للبيت في وقت متأخر من الليل، أنا هنا لا أعمم، وألفت النظر إليها كشريحة من مجتمعنا، يجب أن نكون على قدر من الوعي في التعامل معها، بحكم أنها واقع وموجودة، ولا يمكن تجزئتها وعزلها عن المجتمع، والظروف والمناسبات والتنقل تجعلك ليس مخيرا في عدم مصادفتها في حياتك اليومية، وهي حالات من ضمن مشاهدات تتكرر يوميا عبر الأسبوع، وكل أسبوع، وشهر، وعلى مدار سنوات مضت، ألاحظها وطرحها أصدقاء ومعارف، في مناسبات عديدة، ولقاءات اجتماعية، عبروا فيها عن أن هناك انفلاتا وتراجعا في القدرة على السيطرة داخل البيت، والرجل وزوجته يكدّون- ليل نهار – من مطلع الشمس إلى مغربها، لتأمين حياة كريمة،وفي ظل هذا الأمل يبدو أنها تضيع آمالا كثيرة،وتتبدد مصاريف ونفقات بيتية أكثر وأكثر، أولها الأولاد خارج التغطية، لا رقابة عليهم، ولا حتى مجرد سؤال عن أصحابهم وخلانهم، ولا حتى يمكن السؤال أي الأماكن يذهبون، أو يرتادون،و كما يقول المثل “طاسة وضايعة”، البنت معها مفتاح، والولد معه مفتاح، والطلعة والمشوار على الكيف، يعني متى ما عُرف موعد النوم للأب، ومتى ممكن تستيقظ الأم، فالأمر سهل ومتاح، المهم أن يكون في البيت قبل الفجر، أو أول الصباح، قبل أن يستيقظ الأب، ويلقي عليه، أو عليها، نظرة في غرف البيت، وبعد ها ليس مهما، لأن المهم أن العودة للبيت الساعة الثالثة أو الرابعة صباحا لا تخطر على البال للأب والأم، وأن ابنهم أو ابنتهم ممكن يفعولها، طبعا ثقة عمياء وزائدة أن الأولاد لا يغلطون، ولا يعرفون الطريق العوجة، يعني ممكن الأب أو الأم، يستفيضون بجلسة هنا أو هناك بحديث عن المدمنين والمتعاطين وأجلكم الله “الصّيع والهمل”، واللي أخلاقهم “سيس”، يعني مش ولا بد، ويكون جاره وصاحبه أو حتى أخوه من أمه وأبيه، عارف عن أولاده وبناته أكثر منه. هذا الأب وتلك الأم، نسوا أو تجاهلوا أن الأولاد في غياب متابعتهم صار فيه مرب آخر للأولاد، وأن فيه انقيادا وتبعية لقيم سلبية صادرة عن تكنولوجيا نحملها ساعات طويلة أنا وأنت، والولد والبنت، متاح لهم كل ما هو ممنوع في موروث القيم والعادات والمثل العريقة والأصيلة والتي تفيض بالإيجابية، والتي عشنا على إرثها، وللأسف على رأي بعض الناس، أصبحت موضة قديمة، وأن هذا الجيل غير. يعني أننا أمام مصادر تلقى لا تحصى، أصبحت المؤثر الأكبر في تكوين وتشكل شخصية ونفسية جيل اليوم، فيها ما فيها، من الإيجابي والسلبي، ما يغمر كوكب بأكمله، وأصبحت تتلاشى سلطة الأهل، ما يعني خللا سيحدث في بناء الأسرة، وتشوه دميم في القيم المجتمعية، وسنرى كل يوم تعد وانتهاك لحرية الآخرين من هذا الابن الطائش، والمتسيب، واعذروني “الصّايع”، الذي لا يُقدر مسؤولية الالتزام، وأن حريته تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. فزمان، يعني ليس بعيدا، كان إذا رأيت غريبا في حارتك أو الحي الذي تسكن فيه، تخرج له بعين قوية، وتسأله ماذا يفعل بحارتك أو حيّك، أو أمام بيتك، وتستعلم منه ليش بتمختر في الحارة،و كان الجيران رأيهم من رأيك، لكن اليوم إذا رأيت “الغلط” عيني عينك، ما بتقدير تحكي، لأنه في النهاية بتطلع أنت وحقوق، أو بحكيلك ليش تتدخل من أصله، وفكك يا أخي أنت بدك تصلح مجتمع، هذا غير تعب البال، بتصير الدور جاهات مشان تنستر، وان هذا ” الصّايع”، طبعا بعين أهله العفيف المؤدب الخلوق، صار بدو حق عرب منك، وهات قطبها مع إلي يسوى واللي ما يسوى. وسنصحو لكن متأخرا، أو لا أعرف قد لا نصحو، ونحن نحصد ما زرعنا، بأن قبلنا أن نكون هامشيين، حتى في بيوتنا، حتى باتت البيوت خربة مما كان يسكنها من “راح البال”، و “النعمة” التي فقدت، أو سنفقدها، لم يعد فيها الانسجام في الاهتمامات والواجبات الأسرية المعروفة، لم يعد مفهوما معنى الترفيه والتسلية، لم يعد مهما حتى الذوق والاحترام الذي كان سائدا أيام زمان، زمان أبوي وأبوك، زمان جدي وجدك، وما ينطبق على البيت تجده في الشارع والحارة والحي وحافلة النقل والسوق وأي مكان عام، فلم يعد هناك طعم ولا نكهة بين جيل اليوم وجيل الأمس. قد يقول أحدهم يا أخي من الطبيعي إن نجد هذا في مجتمعنا، فالحاجة والعوز تجعل من الأب يغيب ثلثي اليوم عن البيت ويعمل ليل نهار، فكيف تريد أن يتابع أبناؤه، هذا عدا عن أن رب الأسرة يمكن أن يكون مسافرا، وممكن أن تكون العائلة بالأصل مفككة، والأم في جهة والأب في جهة، وكل في واد. لكن أخيرا أقول لو كانت التربية تربية واعية بحزم، بعيدة عن العنف، وسليمة بأدواتها، ومعززة بمكتسبات وخبرة الحياة، لا يمكن للأولاد أن يخرجوا عن هذه الطريق حتى لو كان رفاق السوء أثروا عليهم، لأنه في لحظة ما سيعود الولد إلى جادة الصواب، وسيعود إلى الأصول التي تربى عليها، وغرست في داخله رقابة ذاتية وأصلته، ليميز الصواب من الخطأ، ليعرف الإيجابي والسلبي، ليردعه الوازع الديني، وتوقظه المثل المكتنزة بالأخلاق، فيكون على قدر المسؤولية المجتمعية وعلاقته مع الآخرين. رحم الله أيام زمان، و- إن شاء الله- ما نفقد ابن الناس،وابن الأصول في مجتمعنا المرقمن والمعولم.