صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
بتاريخ 22 / 4 / 2020 مرت علينا الذكرى التاسعة عشرة لرحيل معالي المشير حابس المجالي، رفيق الملوك الثلاثة عبد الله الأول، وطلال، والحسين، رحمهم الله جميعا. ذلك المقاتل الذي شكّل مع رفاقه المحاربين القدامى مشاريع شهادة في جميع الحروب التي شهدها الأردن وفلسطين. فقدموا أرواحهم دفاعا عن المسجد الأقصى وما حوله من الأراضي المباركة، وكبدوا العدو خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.
حابس المجالي ( 1910– 2001 ) . . ذلك الرمز الوطني الذي يحظى باحترام كافة الأردنيين والفلسطينيين حيا وميتا، خير ما نحيي به ذكراه هو أن نقدم للجيل الذي لم يعش زمانه، نبذة عن مواقفه البطولية، التي كان لها دور كبير في الحفاظ على الضفة الغربية، لما يقارب العقدين من الزمان، ثم أضاعها أصحاب شعارات الوطنية والتقدمية الكاذبة.
حابس الذي نذر نفسه للجندية، وكان نموذجا للشجاعة والتضحية وحب للوطن، كان أول ضابط أردني يتولى قيادة كتيبة في الجيش العربي الأردني. وهو من واجه القوات اليهودية في ساحات القتال في فلسطين، وردهم على أعقابهم خاسرين في العديد من المعارك، التي جرت في القدس واللطرون وباب الواد. تلك المعارك التي شهد العدو قبل الصديق ببسالة قادتها وشجاعة جنودها في الدفاع عن الأرض المقدسة.
وبعد معارك عديدة فشلت بها القوات اليهودية في تحقيق أهدافها، شكل بن غوريون في 28 أيار أكبر قوة يهودية مؤلفة من ثلاثة ألوية، يقودها العقيد الأمريكي ديفيد ماركوس، وأمره بالاستيلاء على اللطرون وباب الواد وفتح الطريق إلى القدس. ولكن هذه القوة واجهت مقاومة عنيفة عند هجومها على مواقع الكتيبتين الثانية والرابعة، مما أدى إلى فشل الهجوم ووقوع خسائر كبيرة بها.
بتاريخ 1 حزيران قام الملك عبد الله الأول بزيارة تفقدية لموقع المعركة، واستمع إلى شرح لتفاصيلها، ثم التفت إلى المقدم حابس قائد الكتيبة الرابعة قائلا : ” إنك وجنودك تدافعون عن أرض سبقكم للدفاع عنها قادة عظام، من أمثال عمرو بن العاص وصلاح الدين. ومن سماك حابس ما أخطأ، لأنك حبست العدو وحلْتَ دون تقدمه. إن كتيبتك الرابعة هي الكتيبة الرابحة بإذن الله “.
في ليلة 8 / 9 حزيران زحفت قوات العدو تحت ستر الظلام، وتمكنت بعد قتال عنيف من الوصول إلى مسافة 70 ياردة عن مركز قيادة الكتيبة الرابعة. فأمر قائد الكتيبة حابس بتجميع آخر قوة متوفرة لديه، للقيام بهجوم معاكس على العدو وطرده من الموقع الذي وصل إليه. والموقع عبارة عن مرتفع إذا استطاع العدو أن يحتله على قمة الجبل وعلى موقع معاذ بن جبل، فإن مواقع الكتيبة تصبح تحت سيطرته وتحت تأثير نيران أسلحته، وسيكون الموقف خطيرا، وعلى المدافعين طرده أو تلقي الهزيمة.
وعلى مسافة قريبة من قائد الكتيبة حابس، كان يقف طبيب الكتيبة الدكتور يعقوب أبو غوش، فسأله حابس : كم رصاصة في مسدسك ؟ أجاب الطبيب 6 رصاصات. فقال حابس : في مسدسي أيضا 6 رصاصات وصمت لحظة ثم قال : سنبقى هنا . . وإذا وصل جنود العدو إلينا . . سيطلق كل واحد منا 5 رصاصات عليهم . . أما السادسة فسنطلقها على أنفسنا..! وفي هذه الأثناء فُرضت اتفاقية الهدنة الأولى بين العرب واليهود، ليسري مفعولها ابتداء من تاريخ 11 حزيران 1948، والتي لم يقتنع بها حابس وطلب من رئيس الأركان الإنجليزي رفضها ولكن دون استجابة له.
بمثل تلك التضحيات من قبل حابس ورفاقه الضباط والجنود الأشاوس، المؤمنين بالله وبحقهم في الدفاع عن المقدسات، استطاع ذلك الرعيل الأول الحفاظ على جزء كبير من أرض فلسطين، وهو ما سمي بعد نهاية الحرب بالضفة الغربية، حيث انضمت إلى شرق الأردن إثر مؤتمر أريحا، وحملت اسم المملكة الأردنية الهاشمية.
أ
ولئك الرجال وعلى رأسهم حابس، لم يفكروا بمكسب دنيوي، أو تحقيق مصالح خاصة، أو انتظار أعطيات تؤمن لهم القصور والعقارات، ولم تتلوث سمعتهم باستغلال مناصبهم، أو اختلاس أموال الدولة، ليصبحوا أثرياء في تلك الظروف السانحة. لقد كانوا مثالا للحفاظ على شرف الجندية، والتضحية بالنفس ونكران الذات، سواء خلال خدمتهم الفعلية أو ما بعدها. ومن الجدير بالذكر، أن حابس أحيل على التقاعد وهو يحمل دينا لمؤسسة الإقراض الزراعي، يبلغ 15 ألف دينار، ترفّع خلال حياته أن يطلب من أحد تسديدها عنه، إلى أن عرف جلالة الملك حسين بالموضوع فأمر بتسديدها عنه.
وتمر هذه الأيام ذكرى وفاة ذلك القائد العظيم، معالي المشير حابس المجالي بصمت، دون ذكر له من قبل وسائل الإعلام أو كتاب القطعة، أو حتى اهتمام من المسئولين بوضع إكليل من الزهور على ضريحه، تذكيرا لأبناء هذا الجيل بأحد رموز الأردن الشرفاء، الذي وهب نفسه للدفاع عن الأردن وفلسطين، دون منّة أو انتظار لشكر. فنرجو الله أن يتغمده مع جميع رفاقه بواسع رحمته وأن يسكنهم جنات الخلد، على ما قدموا جميعا لوطنهم وأمتهم من تضحيات ستبقى خالدة أبد الدهر . . !
التاريخ : 23 / 4 / 2020