صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
كان السائد في مجتمعنا الأردني ، الذي يماثل كل الشعوب العربية ، ان يتزوج الشاب قبل سن العشرين في خمسينات القرن الماضي وما قبلها ، ولما إنتشر التعليم الجامعي في الستينات وما تلاها ، كان الغالبية العظمى من الشباب يتزوجون قبل ان يكمل ال ( ٢٥ ) عاماً أي بعد عام او عامين من إنهاء المرحلة الجامعية . والأسباب التي تدعو لذلك تتمثل في انه في الخمسينات ، كان اعتماد الناس على العمل في الفلاحة وتربية المواشي ، فكان هذا يتطلب إنجاب اكبر عدد ممكن من الابناء للمساعدة في الاعمال ، كما ان الزواج لم يكن مُكلفاً ، حيث لا يستدعي بيتاً مستقلاً ، ولا يتطلب اية تجهيزات ، فالزوجة القادمة الجديدة تنظم الى عائلة زوجها ، كانت كلفتها تنحصر في طعامها وشرابها ، والأثاث ليس باكثر من فرشة ولحاف يتم تجهيزهما من صوف الأغنام ، وما ينفقه والد الزوج على الزواج ، يسترجع اغلبه ان لم يكن كله من ( النقوط ) وهو عبارة عن تكافل اجتماعي للمساهمة في التكاليف . اما في الستينات ، فكان الشاب يحصل على فرصة العمل المناسبة فور تخرجه ، وبما ان تكاليف الحياة بسيطة ، ورخيصة ، وبمساعدة من الأهل يتمكن من الزواج في غضون عامين من تخرجه ، وايضاً لم تكن اعباء وكلف الزواج كبيرة ، لان غالبية الناس من الطبقة الوسطى التي كانت سائدة ( وأنا أُسميها طبقة السِتْرْ او المستورين ) ، ولم يذهبوا بعد الى الاهتمام بالكماليات والاستعراض ، الذي يزيد من سقف كلف الزواج .
ما جاء اعلاه ليس شططاً ، او بُعداً ، عن الموضوع الأساس ، وإنما ليتمكن القاريء الذي لم يعايش ذاك الزمان ، من المقارنة ما بين ذاك الزمان ، وزماننا الحالي ، وكيف حدثت الإختلالات التي أدت الى هذه النتيجة الكارثية بوجود ( ١,٠٠٠,٠٠٠ ) عانس ، و (١,٦٠٠,٠٠٠ ) أعزب ، و ( ٤٤,٠٠٠ ) مطلقة ، و ( ٢٤٧,٠٠٠ ) أرملة ، وإجمالي العوانس والمطلقات والأرامل = ( ١,٢٩١,٠٠٠ ) أي ما نسبته ( ٧٥٪ ) من المتزوجات اللاتي يبلغ عددهن ( ١,٧٠٠,٠٠٠ ) سيدة ، هذا حسب إحصائية جمعية معهد تضامن النساء الأردني ، أليست هذه كارثة مجتمعية ، وخلل مجتمعي أدى وسيؤدي الى كوارث مجتمعية !!؟؟
في أيامنا هذه ، اصبح معدل سن الزواج للشباب ( ٣٥ ) عاماً ، وللبنات ( ٣٠ ) عاماً ، لماذا !!؟؟ هناك أسباباً عديدة يصعب حصرها ، لكنني سأكتفي بالإشارة الى أهمها ، لان هذا مقالاً ، وليس دراسة حالة تستوجب التفصيل . بقي سن التخرج من الجامعة نفس سن التخرج في الستينات تقريباً ، لكن تتجسد الأسباب التي تؤدي لعزوف الشباب عن الزواج في وقتنا الحالي في : عدم الحصول على فرصة عمل ، وارتفاع نسبة البطالة خير دليل ، مع ان الواقع يقول ان نسبة البطالة اكثر من ( ١٩,٢ ٪ ) التي اعلنتها الحكومة ، كما انها تختلف بين المحافظات ، حيث تصل الى ( ٣٠ ٪ ) في عجلون والطفيله ، ومن كان الحظ او الواسطة حليفه ، وحصل على فرصة عمل ، فان معدل الرواتب لحديثي التعيين لا تزيد عن ( ٤٠٠) دينار شهرياً ، وفي الأغلب ، ونتيجة للمركزية المقيته الشديدة ، يكون التعيين في عمان ، مما يتطلب من ابناء المحافظات استئجار مسكن ، ولسوء وتردي خدمات المواصلات ، ولان الراتب لا يتحمل استخدام سيارات التاكسي ، يكون مُجبراً ، ومُكرهاً ، على شراء سيارة بتمويل بنكي ، مما يرتب قسطاً شهرياً ، فبعد استقطاع اجرة المسكن ، وقسط السيارة ، ومصاريفها ، ماذا يتبقى من الراتب !؟ هذا عدا عن المصاريف والمتطلبات الحياتية اليومية من مأكل ، ومشرب ، وهاتف ، ومحروقات ، وكهرباء ، ومياه ، وغيره !!؟؟ بهذا يبدأ حياته في قروض ، وبراتب لا يسد رمقه وهو عازب ، ولا بد من اللجوء لمساندة الأهل ، وعليه لا يكون قادراً على التوفير ، وبهذا لا يكون قادراً على مجرد التفكير في الزواج .
كما ان هناك سبباً آخر لعزوف الشباب عن الزواج ، وذلك يتمثل في ارتفاع تكاليف الزواج لأرقام خيالية ، تصل الى بضع عشرات الألوف ، مبالغ فلكية ، تَشِل ُ التفكير ، وتبعث على الكآبة ، والعجز من عدم القدرة على تَحَّمُل العبء المادي ، وللعلم يكون أهل العروس ، في أغلب الحالات ، هم السبب في فرض شروط مُكلفة ، إطارها البذخ والشطط .
ما جاء اعلاه من عبء ، وقهرٍ ، وكلفة ، يبين حالة المعاناة ، التي يعيشها الشباب ، مما ادى للعزوف عن الزواج ، وعليه ارتفعت نسبة العنوسة في البلاد . ومما يقتضي الإشارة اليه ، إرتفاع نسبة زواج الشباب من عربيات ، وأجنبيات ، لانخفاض كلفة الزواج ، وبساطة متطلبات الزوجات غير الأردنيات ، وهذا ادى الى مشاكل اجتماعية عديدة .
العنوسة ، وتأخر الزواج خطر داهم ، يهدد بنية المجتمع وصحته النفسية ، وتُحدث الكثير من الاختلالات ، والتغيرات المجتمعية ، منها : الكآبة التي تؤدي أحياناً الى الانتحار ، والانحلال الاخلاقي ..الخ ، علاوة على أنهن يُصبحن بدون مُعيل بعد وفاة الوالدين ، مما يرفع من نسبة الفقر ، ويزيد الضغط على وزارة التنمية الاجتماعية ، ويزيد من المشاكل والمناكفات العائلية وعدم الإستقرار في حال اللجوء الى العائلة المركبة او الممتدة ، لحل مشكلة سكن العوانس .
إرتفاع نسبة العنوسة الى هذا الحَدّْ ، كارثة مجتمعية ، يجب ان يوضع لها حَدّْ .