صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات
ها قد جاء اليوم الذي تشهد فيه الأجيال التي لم تعاصر نكبة 48، وسقوط القدس بيد العدو الغاصب عام 1967، لتتجرع طعم الهزيمة والضياع ، والشعور بالضعف والعجز، كما تجرعته الأجيال التي شهدت تلك الأحداث ،وكانت تتناقل تفاصيل الهزيمة على مدى سبعة عقود، عاشت فيها المرارة والألم، لكنها هذه المرة كانت أكثر مرارة وغصة ، لأنها ممزوجة بالذكريات الأليمة التي ولدت معنا وكبرت فينا، وأصبحت جزءا من تكويننا.
إن ما يميز (نكبة 2017 )، إذا جاز لنا تسميتها ذلك ، أنها جاءت بمباركة بعض الدول العربية ، التي وافقت خلال قمة تاريخية – كما أطلق عليها الرئيس الامريكي – على اعلان القدس عاصمة للدولة الغاشمة، فيما نكبتنا الأولى، كانت فيها قلوبنا تنبض بالعروبة والوحدة العربية ، وعندما سقطت القدس لأول مرة، هب الشباب العربي إلى التطوع في الجيوش العربية، ليترجموا عقيدتهم وقوميتهم الرافضة لاحتلال الأقصى فعلا مجاهدا على ارض الواقع.
عذرا يا قدس .. للمرة الثانية يتم فيها اغتصابك في هذا العصر، ونحن نمطرك بعبارات الشجب والاستنكار والرفض ، إلا أن اغتصابك الأول كان ملفوفا بالعروبة ، التي كانت تملأ الصدور والأفئدة ، أما اليوم فإنك تغتصبين ونحن مشغولون بانقساماتنا وفرقتنا ، بين مسلم – مسيحي ، عربي – كردي ، سني – شيعي …..، وعيوننا عنك لاهية، وقلوبنا يملؤها الحقد والبغض والكراهية لبعضنا بعضا .
عذرا يا زهرة المدائن .. ها قد أوفى الرئيس الأمريكي بوعده الذي قطعه على نفسه خلال حملته الانتخابية للحركة الصهيونية ، وأعلن القدس عاصمة للدولة الغاصبة ، ليمنح حقا لغير أصحاب الحق ممن ليس له الحق بالمنح، وبعيدا عن القانون ، لقد منح ترامب لنفسه حق التدخل في مصيرنا ، وتغيير خريطتنا ، بعد أن سلم عدد من دولنا العربية والإسلامية “دقنها” للامريكيين والصهاينة على مبدأ :” من يدفع يحكم” ، وللأسف فان الكثير من الدول العربية هي التي تدفع لهم ، مغيرة مبادئ القوى الطبيعية الى من يدفع يُحكم ويذل وتنتهك حقوقه، وذلك بعد أن ضعف الانتماء ، ونسينا أن الدين يجمعنا ، وتعددت مشاكلنا وقضايانا .
عذرا يا أولى القبلتين ..فان الخوف من تبعيات سقوطك في يد العدو الغاشم ستكون كبيرة ، وأن قرار نزعك تاريخيا ، ومنحك أعطية لهؤلاء الطارئين ، يجعلنا نخاف على قبلتنا الأولى ، وعلى جميع مقدساتنا ، بأن تصبح بجرة قلم ، ولوعود انتخابية، واستغلال تمزقنا وضعفنا؛ ضمن وصايتهم وتحت غطرستهم وجبروتهم ليترجموا كرههم وحقدهم على الدين الاسلامي الذي يخيفهم .
عذرا يا ثالث الحرمين .. فنحن العرب المسلمين تقطعت أوصالنا ، وأصبحنا منقسمين على ذاتنا، دولا ممزقة، ومنشغلين بمشاكلنا الداخلية ، ندبر المكائد لبعضنا بعضا، في كل مئة عام يخرج علينا وعد للتقسيم، من خلال إبرام وعود وقطع وعود ، وأصبحنا دولا صغيرة ذات مصالح ضيقة ، تقوم على المصالح الفردية بعد أن تخلينا عن واجباتنا الدينية والقومية، وكل علاقاتنا قائمة على النزاعات والخلافات والكراهية .
عذرا يا مسرى الرسول .. فبعض المسلمين أنفسهم وافقوا على قرار تهويدك ورحبوا في قمة تاريخية بتنفيذ قرار تاريخي اتخذه الكونجرس الأمريكي قبل 22 عاما ، بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة لا أساس ولا وجود لها على الخريطة ، تبحث لها عن سند قانوني لتقنع الآخرين بما اختلقته من سند تاريخي وديني لها .
عذرا مقدساتنا الاسلامية والمسيحية.. لن تكوني تحت وصايتنا الاردنية الهاشمية العربية، وستكوني لأول مرة تحت رعاية يهودية، كيف لا بعد أن بعثروا الخليج العربي ، ولم تعقد هناك قمة خليجية تجمعهم ، وتمزقت الجامعة العربية ولم تعد تجمعنا ، وأصبحنا عبارة عن تحالفات صغيرة ممزقة، كل يبحث له عن غطاء، ولايجده وان وجده فهو لا يقيه برد الذل ولا حر القهر والخنوع .
عذرا يا مدينة السلام .. فالخوف الآن على الأردن، بأن يتم الاعلان عن إنهاء القضية الفلسطينية وتغيير خريطة الوطن العربي باقتطاع أجزاء من الأردن وسيناء ، لتكون الوطن البديل لفلسطين، وإقامة كونفدرالية مع اسرائيل ، التي ستقوم بتفريغ فلسطين من سكانها الاصليين وتوزيعهم على الاردن وسيناء المصرية بعد التخلص من القوى العشائرية المسيطرة عليها ، حسب ما أشيع عن اتفاقيات سابقة، وبعدها توجد اسرائيل بمساعدة القوى الامريكية وبمباركة عربية – محدودة – في مشروع نيوم الذي أعلنت عنه السعودية في المنطقة المشتركة (السعودية ــ المصرية ــ الاردنية )، الى جانب المدينة الجديدة ، ومدينة أخرى تقام في الازرق وأخرى على اطراف المفرق .
عذرا يا قدس .. فقد عملوا على تفكيكنا ، وزرعوا الفتنة بيننا ، ونشروا الكره في قلوبنا ، وجعلوا من اسلامنا اسطورة رعب وتركونا وحدنا ، وأصبحنا نقتل بعضنا بعضا، وتركناهم يخططون الى هذا اليوم الذي صنعوا كل هذا لأجله ، ونحن لاهون بمشاكلنا الداخلية وانقساماتنا على أنفسنا ، وأصبحت توجهاتنا فردية بعد أن تفرقنا ،فلم نعد نخيفهم .
عذرا يا فاتح القدس ، عذرا يا صلاح الدين .. انشغلنا في تعديل مناهجنا وتغييرها لنرضي الغاصب بإلغاء العبارات التي تحث على الجهاد ، ونسفنا من تاريخنا بطولات جيوشنا في الدفاع عن القدس ، حتى جاء اليوم الذي سلبوك منا مرة أخرى ودون مقاومة عربية ، ووجدنا انفسنا أمام حيرة وخجل ، كيف لنا أن نمجد دورنا ودور جيوشنا العربية، بعد أن قزمناها داخل ضلوعنا ، وشلت السنتنا عن التغني بها .
نستودعك الله يا قدس ، يا من لا تضيع عنده الودائع .
Jaradat63@yahoo.com