لم أكن في يوم من الأيام مدّاحا لمسئول يحتل منصبا رفيعا، ولم أعتدْ على تقديم التهنئة لأي مسئول يُنصّب في موقع هام، إلا في حالات نادرة كانت تربطني به صلة قرابة أو علاقة صداقة حميمة. وانطلاقا من مقولة ” من لا يشكر الناس لا يشكر الله ” فإنني سأتحدث على غير العادة، مادحا لرجل احتل مؤخرا موقعا هاما كمدير للأمن العام، وهو عطوفة اللواء فاضل الحمود.
واللواء الحمود هو ابن هذا الجهاز الخبير بطبيعته ويعرف دقائق عمله، وهي من المرات النادرة التي يتولى بها ضابط من صلب الجهاز، قيادته وإدارته لاسيما وأنه جهاز مهني بامتياز. ورغم أنني لم أتشرف بزمالة اللواء المذكور لاختلاف طبيعة تخصصنا ومواقعنا، إلا أنني على معرفة بخُلِقهِ الرفيع وطيب تعامله مع الآخرين، وكفاءته كضابط أمن عام محترف، من خلال جميع الوظائف التي اشغلها في سلك الأمن العام، وكذلك من خلال سيرته النظيفة ولقاءاتنا في مناسبات مختلفة.
لم أزر اللواء الحمود ولم اتصل به هاتفيا للتهنئة بمنصبه الجديد، لأني كنت أهنئ نفسي أولا على هذا الاختيار الموفق من قبل صاحب القرار، الذي وضع الرجل المناسب في الموقع المناسب. وثانيا لأنني كنت انتظر انتهاء قوافل المهنئين التقليدية، وثالثا لأنني أنوي زيارته بعد أن يستقر قليلا بعمله، ويبدأ بتحريك عجلة العمل نحو الاتجاه المطلوب. ولا شك بأنني متفاءل بوجود هذا الرجل على رأس جهاز وطني هام، متوقعا بأن يرفع من قدراته التخصصية حفظا للأمن واستقرارا للمجتمع.
لم يمضِ وقت طويل لكي أقيّم عمل المدير الجديد، ولكن المكتوب يُقرأ من عنوانه كما يقال في الأمثال الشعبية. فما أن دخل مكتبه في مديرية الأمن العام إلا وأعلن للجمهور بأن مهمته مزدوجة، تتلخص في تطبيق القانون بحزم من جهة، وحفظ كرامة المواطن من جهة أخرى. لم ينصّب من نفسه خصما للشعب، ولم يدّعي أنه سيتراخى في تطبيق القانون، بل كان صريحا وواضحا ككتاب مفتوح يقرأه البعيد قبل القريب. ومن الواضح أنه سيبني إستراتيجية أمنية وسطية تراوح بين الأمن الناعم والأمن الخشن.
لقد أثنى عطوفته على إنجازات من سبقه من مدراء الأمن العام، وأكد بأنه سيبني على ما أنجزوه من أجل صالح الوطن، وكانت نظرته الإنسانية قد سبقت أي عمل قام به خلال هذه الفترة الوجيزة. ففي أول يوم من توليه المسئولية، قام بزيارة مدير أمن عام سابق للاطمئنان عليه، وذلك وفاء وعرفانا له لما بذل من جهد كان له أثر في نهضة الأمن العام. وعندما اتصل به أحد كبار ضباط الأمن العام المتقاعد هاتفيا، مهنئا ومعتذرا لعدم قدرته في تقديم التهنئة بصورة شخصية بسبب حالته الصحية، أجابه فاضل بأنه هو من يزوره في منزلة، ويشكره على ما قدم خلال خدمته الفعلية، وهذا ما فعله على الفور.
أعتقد أن اللواء فاضل أكرمه الله بأن جعل له من اسمه نصيب، فلم ينسَ زملائه المتقاعدين من الأمن العام والجيش وبقية الأجهزة الأمنية الأخرى، فأصدر تعميما إلى كافة وحدات ومراكز الأمن العام، أقتطف جزءا منه كما ورد في العبارات التالية :
” يجب علينا كقادة ومدراء إدامة قنوات الاتصال والتواصل مع هذه الشريحة الطيبة، وتلمّس احتياجاتهم والعمل على تلبيتها انطلاقا من حرص مديرية الأمن العام، على إيلاء كافة متقاعدي الأجهزة العسكرية والأمنية من أبناء الوطن الأعز، الاهتمام الكافي وخلق الشعور لديهم بأنهم لا زالوا على رأس عملهم وعلو مكانتهم في عيون أبناء الجهاز “. هذا بالإضافة لاستمرارية عمله باليوم المفتوح اسبوعيا، لاستقبال من يرغب بمقابلته في مديرية الأمن العام. كما أصدر تعميما آخر يسمح به لمركبات المتقاعدين العسكريين من ريبة مقدم فما فوق، بالدخول إلى مختلف ساحات ووحدات الأمن العام.
إن قائدا أو مديرا يتصف بهذه الصفات الإنسانية، يحافظ على معنويات زملائه من مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية، ويساعد على بناء اللُحّمة بين أولئك المتقاعدين ومؤسساتهم الأم، ليجعل كل واحد منهم رجل أمن بطواعية في مكان سكناه. فهذا الشعور الإنساني الذي يتمتع به الرجل، أشار إليه القائد البريطاني الشهير مونتغمري قبل أكثر من ستة عقود بقوله :
” القيادة هي مشكلة الإنسانية الكبرى وهي دراسة للطبيعة البشرية، ويجب أن تكون هذه الحقيقة واضحة في الأذهان بالنسبة لكل من يرى في نفسه القدرة على القيادة. إنها البشر رجالا ونساء يمثلون الواقعية في هذا العالم الذي يعيش فيه. فإذا ما ظفرت بقلوب من يعملون معك ونلت احترامهم، لكان في مقدورك أن تحقق الأعمال العظيمة، كما أنك إذا تجاهلت هذا المبدأ البسيط، لن تتمكن من تحقيق شيء على الإطلاق “.
ومن المؤسف أن بعض المسؤولين الذي تولوا قيادة مؤسسات هامة خلال الفترة الأخيرة، اعتقدوا بأنهم مخلدون في مواقعهم ولم يتذكروا سابقيهم من القادة والمدراء، ولم يديموا التواصل معهم أو دعوتهم في المناسبات الوطنية، التي كان لهم دور في إنجازها حيثياتها، مخالفين بذلك توجيهات جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة. والظاهر أنهم يجهلون بأن زملائهم المتقاعدين يبحثون عن حفظ الكرامة، ولا يريدون منهم خبزا أو يطعمون . . !
وختاما فإنني في هذا المقال، حاولت التحدث نيابة عن معظم زملائي المتقاعدين العسكريين من مختلف الأجهزة، وتقديم الشكر لعطوفة مدير الأمن العام اللواء فاضل الحمود، على ما قدمه لهم في هذه الفترة الوجيزة من توليه المسئولية، منتظرين منه مزيدا من الإنجازات الوطنية على صعيد مهني، وعلى صعيد الخدمة العامة لزملائه المتقاعدين والمواطنين بشكل عام، متمنيا له التوفيق والنجاح.