صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
ما إن يتوفى شخص في مجتمعنا حتى يبدأ الأهل والأقارب والأحبة، النقاش والحوار حول موعد الدفن ومكانه وترتيبات تقبل العزاء وغيرها. في بعض الحالات، يختلف الأشخاص حول تقديم أو تأخير موعد الدفن لضمان حضور بعض الأحباء المغتربين الى أن يتدخل أحدهم باستخدام الجملة الحاسمة والمسكتة “كرامة الميت دفنه”، فيجري الدفن الذي قد يتم في أوضاع لا تحفظ لأحد أي كرامة.
في ثمانينيات القرن الماضي، وخلال وجودي في الولايات المتحدة الأميركية، أتيحت لي فرصة مشاركة بعض المعارف والأصدقاء مراسيم الدفن لبعض أقاربهم وأحبتهم ممن وافاهم الأجل وواجهوا حقيقة الموت. بالرغم من مهابة الموت وحرصي الشديد على الالتزام بقواعد وطقوس المناسبة، إلا أنني ما أزال أتذكر الصدمة الإيجابية التي عشتها في أول مرة شاهدت فيها إحدى المقابر في منطقة لوس أنجيلوس. فالطريق واسع والمدخل مزين بالأشجار والورود والأرض مستوية؛ حيث تتوزع القبور الى مجموعات تتوسطها المسطحات الخضراء وتحيط بها مواقف السيارات التي تتوزع لتخدم كامل أجزاء المكان الذي أتحرك داخله مستخدما الممرات المؤثثة باللوائح الإرشادية.
في ذلك اليوم، نسيت أنني أشارك الأصدقاء أحزانهم، وحسبت أنني أتجول في أجمل متنزهات المدينة وأكثرها تنظيما. فعلى مداخل ومخارج المربعات التي قسمت لها المقبرة، توجد منصات لمياه الشرب وحمامات رجال ونساء في غاية النظافة والترتيب. الأشخاص من ذوي الإعاقات الحركية والبصرية لا يواجهون ما يمنع أو يحد من استخدامهم المكان، فمواقف السيارات محجوزة والممرات والمداخل لا تعيق الوصول والدخول والاستخدام لكل ما في المكان من مرافق وخدمات.
أسوق هذه التجربة وأنا أشعر بكثير من الألم واليأس بأن تتغير الأشياء أو تتحسن؛ فمقبرة سحاب، بالرغم من بعدها عن عمان ووجود عشرات الملاحظات على المواقف والخدمات والتنظيم، إلا أنها أفضل عشرات المرات من المقبرة التي تحمل اسم مقبرة شمال عمان وجرى افتتاحها حديثا.
قبل أيام قليلة، شاركت في مراسم تشييع جثمان أحد الأصدقاء في إحدى المقابر التي تم إنشاؤها حديثا. المقبرة الجديدة تشبه كثيرا الأوضاع التي نعيشها، فقد أقيمت على سفح جبل شديد الانحدار؛ حيث يصعب على المشيعين من كبار السن السير على الأقدام من دون فقدانهم التوازن أو الانزلاق. في الطريق الى المقبرة، تتوقف مئات المركبات على جانب الطريق الضيق المؤدي لها، وفي نهاية الطريق تتوقف المركبات في الشارع مشكلة حاجزا يمنع أي مركبة أخرى من الحركة قبل أن يقرر من قاموا بإغلاق الطريق.
في بلادنا، يبدو أن الأشياء تسير من سيئ إلى أسوأ، فقد كانت مقابر أم الحيران وياجوز ووادي السير أفضل تجهيزا وتهيئة من المقابر الجديدة. في المقبرة الجديدة تشعر بالخوف بأنك قد تدخل وتجري محاصرتك في المكان، فلا مخرج معروفا بالرغم من وجود إشارات ترشدك الى مخرج تتفاجأ بأنك على طريق يشبه الطرق التي تختارها شركات صناعة السيارات لتصوير قدرة سيارات الدفع الرباعي باجتياز مخاطر الطريق. فقبل أن تتجاوز مجموعة من الحفر التي يزيد قطر بعضها على المتر تسير لمسافة على شارع ترابي وسط مخاوف من أنك قد ضللت الطريق.
احترام الإنسان وكرامته لا يكونان بالخطب والوعود والبيانات، بل من خلال إيجاد المرافق والتسهيلات والخدمات التي تشعر المواطن بإنسانيته واحترام من يتولون الشأن العام ويقومون على التخطيط والتنفيذ والإدامة لخدمات المواطنين بواجبهم.
أثق أن الإخوة في أمانة العاصمة يحرصون على تقديم خدمات أفضل للسكان. وأعلم أن هناك الكثير من الضغوط المالية والأولويات التي على المخططين تحديدها. لكنني أرى أن راحة أهالي الأموات وإتمامهم مراسيم دفن الأعزاء في أوضاع وبيئة مريحة تجسيد صادق لمعنى الاحترام والكرامة.