صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
تتردد في وسائل الإعلام المختلفة وفي أحاديث ومقابلات المنظّرين هذه الأيام عبارة ” الذئاب المنفردة “، دون أن يلمّ كثير من القراء والمستمعين بفحواها وأبعادها. وفي هذه العجالة الأكاديمية سأحاول إلقاء الضوء على نشأتها وبعض حيثياتها، لمزيد من الإيضاح والفهم.
ففي حوالي الساعة الثامنة مساء يوم الأحد 29 يناير 2017، تقدم شاب نحو مسجد في مدينة كيوبك الكندية، وأطلق النار من مسدسه على المصلين، فقتل 6 أشخاص من المصلين وأصاب 19 آخرين بجراح. وجرى ذلك احتجاجا على تصريح لرئيس الحكومة الكندية (رالف جوديل )، والذي أعلن به استعداده لقبول المزيد من اللاجئين في بلاده. كان هذا الشاب الذي يحمل اسم ( إلكسندر بيسونت ) وعمره 27 عاما، متهما بارتكاب ستة جرائم قتل ولكنها غير إرهابية.
بعد بضع ساعات من الهجوم، حضر إلى الموقع وزير السلامة العامة الكندي ( جوديل)، فوصف القاتل بأنه ذئب منفرد ( A Lone Wolf ). التقطت وسائل الإعلام هذه العبارة ونشرتها سريعا في مختلف أرجاء العالم. وأصبحت عبارة ” الذئاب المنفردة ” مصطلحا يُطلق على الأشخاص الذين يقومون بهجمات على أهداف معينة، دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم محدد. وتتصف هذه الهجمات بالفردية التي قد ينفذها شخص واحد، أو مجموعة صغيرة من الأشخاص، يتراوح حجمها بين 2 – 5 أشخاص كحد أقصى.
لا يرتبط هذا المصطلح الجديد بالجماعات الجهادية الإسلامية المنظّمة أو غيرها، لأنه يعبر عن أي شخص أو مجموعة صغيرة من الأشخاص، يمكن أن تشن هجوما مسلحا، بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو سياسية. وقد وقعت في عام 1990 هجمات عنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية، قامت بها مجموعات بصفة فردية دون ارتباطها بهرم تنظيمي يوجهها، بل كانت تشكل ذئابا منفردة. وغالبا ما يتكون أعضاء الذئاب المنفردة من أشخاص عاديين، لا يثيرون الريبة في تحركاتهم، وليس لهم سوابق أمنية، أو آراء متطرفة تلفت الانتباه. كما أنهم لا يتحركون أو ينفذون مهامهم بتأثير أو بدعاية أو بتكليف من تنظيم معين، بل من قناعاتهم وتخطيطهم الذاتي.
من المهام التي تقوم بها الذئاب المنفردة، زرع المتفجرات في أماكن محددة وتفجيرها عن بعد، أو تفجيرها بشكل موقوت، أو من خلال استخدام أسلحة ذاتية الصنع، أو التي يتم الحصول عليها بطرق مشروعة أو غير مشروعة، إضافة لاستخدام الحناجر والدهس بالمركبات، وتنفيذ العمليات الانتحارية بين تجمعات بشرية لإيقاع أكبر عدد من الإصابات بينهم. وقد يتعدى عملها هذه الحدود بحيث تتمكن من تجنيد شخص أو عدة أشخاص داخل جهاز حكومي، لتنفيذ عملية أمنية بتخطيط وتمويل ذاتي وبسرّية تامة.
والذئاب المنفردة يكون عملها فرديا في الغالب، إذ ينفذ أحدها عادة عملية واحدة ثم يختفي. وإذا كان العمل لخلية صغيرة فإنهم يتعاملون بأسماء حركية بعيدا عن أسمائهم الحقيقية. وبعد أن يقوموا بتنفيذ عملية ما يركنون إلى السكون والاختفاء، دون إظهار أي مؤشر يمكن أن يكشفهم. ومن العمليات الإرهابية المنفردة التي حدثت في العقود الثلاثة الماضية، قبل أن يُعرف مصطلح الذئاب المنفردة، على سبيل المثال ما يلي :
1. أطلق الطبيب النفسي الأمريكي ( نضال حسن ) النار في قاعدة فورت هود العسكرية، عام 2009 وقتل 13 عسكريا ثم رفض الاعتراف بـأنه مذنب.
2. قام الطبيب اليهودي المتعصب ( باروخ جولد شتاين ) بفتح النار من رشاشه على المصلين في الحرم الإبراهيمي بالخليل عام 1994، وأوقع 29 شهيدا وأصاب 150 آخرين بجراح.
3. نفذ المدعو ( أندريس بهرنج ) عام 2011 مذبحة في جزيرة يوتويا النرويجية أدت إلى مقتل 85 شابا.
4. احتجز المهاجر الإيراني ( مان هارون مونيست ) عشرات الرهائن في مقهى بسدني عام 2014 إذ كان يعاني من اضطرابات نفسية.
5. قام الشاب ( ثيموتي ماكفاي ) بتفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأمريكية عام 1995، باستخدام شاحنة محملة بالمتفجرات، للانتقام من الحكومة الأمريكية، أدى لمقتل 168 شخصا وإصابة 680 شخصا آخر بجروح.
تصف صحيفة الواشنطن بوست ظاهرة الذئاب المنفردة ب ” الكابوس الجديد ” الذي يمثل التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية، لما يتبناه من تكتيك جديد في تنفيذ عملياته الإرهابية، التي يقوم بها صنفان من تلك الذئاب المنفردة هما : ” المجنون، والشرير “.
من الواضح أن ظاهرة الذئاب المنفردة، أصبحت تشكل خطرا أمنيا أكبر مما تشكله التنظيمات المعروفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) أو تنظيم القاعدة والتنظيمات المنبثقة عنها أو التنظيمات العالمية الأخرى. وتعود خطورة هذه الظاهرة إلى أن الأجهزة الأمنية في أي دولة، تتدرب عادة على أساليب ومراقبة وإحباط العمليات المنظمة، التي تنفذها هيئات لها قيادة مخططة وأذرع منفذة، ولها بصمة واضحة ومعروفة في عملياتها، تساعد في معرفة تحركاتها وعملياتها. وبالتالي لديها القدرة على ردع تلك التنظيمات من خلال ضرب قواعدها وقياداتها ومواردها.
أما في العمليات التي تنفذها الذئاب المنفردة، فإن الأجهزة الأمنية والاستخبارية، تفتقر إلى المعلومات الكافية التي تمنحها السيطرة، والتحكم في مجرى العمليات وسرعة إحباطها، لكونها تواجه عمليات فردية لا تستطيع أن تتوقع أين وكيف ستحدث، لأن المخطط لكل عملية هو نفسه منفذها. وبناء عليه فمن المتوقع أن يصبح هذا الأسلوب الجديد للذئاب المنفردة، أكثر فعالية وبروزا في المستقبل.
وفي هذه الآونة وبعد دحر المنظمات الجهادية وتفكيك شبكاتها في إقليم الشرق الوسط، فقد يلجأ مقاتلوها للعودة إلى أوطانهم بطرق التسلل أو بالطرق الرسمية، مما ينذر بخلق خلايا نائمة في القرى والمدن بين المواطنين، ما زالت تحمل أفكارا إرهابية. وعلى الدولة في هذه الحالة أن تمنع تسللهم إلى البلاد بأي طريقة كانت، من خلال تنشيط أجهزتها الأمنية ويقظة حرس الحدود، إضافة لبرامج توعية المواطنين بخطورتهم، وضرورة والإبلاغ عنهم في حال تواجدهم في مناطقهم.
وإذا ما تم احتضانهم رسميا في البلاد، فيجب التحقيق معهم وتصنيفهم حسب خطورتهم وفتح قيود لهم، ثم إخضاعهم لعملية تأهيل طويلة في أماكن صحراوية منعزلة تحت الحراسة. وعند إطلاق سراحهم بعد تأهيلهم فيجب وضعهم تحت المراقبة المستمرة.
أما على صعيد الأنظمة الحاكمة، فيرى الكاتب المصري فهمي الهويدي، أن ظاهرة الذئاب المنفردة، تحمل رسالة للقوى الحاكمة في الداخل وتنبه للآتي : ” أن شيوع الظلم والقهر يحوّل البشر إلى قنابل موقوتة، جاهزة للانفجار في أي وقت. وفي هذه الحالة فإن الثأر لا يكون بحاجة إلى مؤامرات تحاك، ولا لتنظيمات إرهابية تخطط وتدبّر، لأن كل واحد من المقهورين سيكون لديه دافعه الخاص للثأر، ولن يكون بحاجة إلى تحريض أو تدريب أو تمويل “.