صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
الأوضاع العامة في الأردن لا تختلف كثيرا عن الأوضاع في بلدان المنطقة وبعض المجتمعات المشابهة لنا. الحفاظ على الأمن والتحديات الاقتصادية ومكافحة الفساد تبدو أكثر المشكلات التي تجابه بلدان العالم النامي. بعض هذه الدول نجحت في إيجاد حلول مرحلية وجذرية، والبعض الآخر ما يزال يتلمس الطريق ويبحث عن التعريفات لمفاهيم الفساد والحلول الاقتصادية للمشكلات المزمنة.
الحكومة الأردنية التي تشكلت على وقع المطالب الشعبية بالإصلاح الاقتصادي تحاول التعاطي مع المشكلات والأوجاع التي يعاني منها المواطن الأردني وسط ضغوط وتعقيدات يصعب تحييدها أو شرحها. البيئة الدولية الداعمة للاقتصاد الأردني لم تعد مستقرة ومتفهمة كما كانت قبل سنوات وعقود، ومستوى الدين العام لا يشجع مؤسسات الإقراض على تلبية مطالب الأردن من دون اشتراطات جديدة وقاسية.
الزيادة المطردة في أسعار السلع والخدمات وارتفاع معدلات البطالة وتراجع حركة النقل والتصدير للدول المجاورة وضعف إقبال رؤوس الأموال العربية والعالمية على الاستثمار في البلاد، إضافة الى انتشار قصص الفساد والتهريب وتباطؤ معالجة القضايا والقصص التي تثار من قبل النواب ووسائل الإعلام والتواصل كانت وما تزال أسبابا مهمة في إعاقة التقدم نحو حالة النهوض التي يتطلع لها الأردنيون بأمل ورجاء.
وسط كل هذه الضغوط والمتغيرات، تحاول حكومة الرزاز أن تحظى بثقة الشارع وتمرير السياسات المالية ومعالجة الاختلالات في وقت قياسي. المهمة التي أوكلت للحكومة في غاية الدقة والصعوبة وينطبق على موقفها القول “مكسور لا تأكل وصامد لا تكسر وكل حتى تشبع”، فهي مطالبة بإصلاح المالية العامة للدولة والتخفيف على المواطن من دون وجود موارد جديدة، الأمر الذي يدفعها الى التركيز على الإصلاحات الإدارية ومحاولة تقوية وتمتين العلاقة مع الشارع، إضافة الى إقناع الناس بأنها جديرة بالثقة للقيام بإصلاحات مستقبلية.
تقديم الرئيس قائمة محددة من الإنجازات التي قال إن الحكومة ستنفذها خلال المائة يوم الأولى من عمرها وحرصه على ألا يقدم مشروع قانون الضريبة قبل نجاح الحكومة لفترة الاختبار خطوة ذكية تؤسس الى علاقة معيارية مع الحكومة.
على غير المتوقع، لم تشتمل قائمة التشريعات التي ستناقشها الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة على مشروع قانون ضريبة الدخل. حتى لحظة صدور الإرادة الملكية التي حددت موعد الانعقاد والمواضيع التي ستعرض على الدورة، كان البعض يعتقد أن قانون الضريبة هو الموضوع الأهم والأكثر إلحاحا. النواب والإعلاميون والمتابعون للشأن العام تفاجؤوا من تأخر عرض المشروع على الدورة واندفعوا نحو تحليل الأسباب والمبررات التي أدت الى ذلك، خصوصا بعد إعلان نائب رئيس الوزراء ورئيس الفريق الاقتصادي في حكومة الرئيس الرزاز، عن الانتهاء من مرحلة الحوار وظهور ملامح المشروع بنسخته الجديدة.
الدورة البرلمانية الاستثنائية ستتناول بعض التشريعات الضرورية لتنفيذ الوعود التي قال الرئيس إنه سينفذها خلال 100 يوم التي طالب النواب والأمة أن تمنحه إياها. فبالإضافة الى القرارات التي اتخذتها الحكومة بخصوص المعالجة المجانية لمرضى السرطان كان الرئيس قد وعد بإعادة النظر في التشريعات التي تمنح التقاعد للوزراء بصرف النظر عن طول مدة الخدمة الحكومية وتجاوب مع اقتراح البعض بألا يصرف لأي من الوزراء ممن تقل فترة عملهم الحكومي عن سبعة أعوام أي رواتب تقاعدية، كما وعد الرئيس ضمن قائمة الـ18 بندا التي عرضها في خطاب الإجابة عن مداخلات النواب والكتل خلال مناقشات الثقة بأن يراجع بعض السياسات والإجراءات التي اشتكى منها الناس تمهيدا لتعديلها في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ عمل الحكومات الأردنية.
إرجاء عرض قانون ضريبة الدخل لما بعد تنفيذ إصلاحات المرحلة الأولى قرار حكيم ينزع فتيل الصدام مع الشارع ويؤسس لعلاقة تقوم على المسؤولية والاحترام. في الخطوة التي اتخذتها الحكومة الكثير من الحكمة والتروي واستعداد واضح للتخلي عن بعض الممارسات والتقاليد الحكومية الموروثة.