صراحة نيوز – بقلم الدكتور ابراهيم بدران
رغم الكتابة المتواصلة عن البطالة منذ سنين، وعقد المؤتمرات و الندوات المتخصصة و إعداد عشرات الدراسات، إلا أن أرقام «الاحصاءات»، تبين أن البطالة ارتفعت الى 18.7 % بزيادة 4. % عما كانت عليه قبل عام. أي أن لدينا اليوم 346 ألف اردني لا يجدون عملاً، أو ما يقرب من 70 ألف أسرة بدون دخل.
كما أن هذه النسبة في أكثر من محافظة تتجاوز 25 % أي أن ربع القوى العاملة في المحافظة عاطلة عن العمل. وهذه أرقام ضخمة و صادمةً، ومن الأعلى في البلاد العربية.حيث البطالة في مصر 11 % والسودان 18.6 % وتونس 15 % والجزائر 11.2 %. في حين أن المعدل العالمي للبطالة عام 2017 كان 7.9 %،أي أن البطالة لدينا 2.5 مرة من المتوسط العالمي .
و الأزمة تتفاقم سنة بعد سنة منذ أكثر من 20 عاماً دون أن تضع أي من الحكومات برنامجاً واضحاً جاداً لمواجهتها رغم خطورتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ورغم حالة الاحباط والتطرف التي تولدها في كل اتجاه .
وما يفاقم الأزمة عوامل كثيرة في مقدمتها :
أولاً : عدم أخذ الموضوع بالجدية والخطورة المناسبة واعتباره أمراً عادياً.
ثانياً : «الاطمئنان الواهم» إلى أن تصدير العمالة الأردنية إلى الخارج سوف يحل مشكلة البطالة.
ثالثاً : الإفراط في الاستيراد على حساب الانتاج المحلي، وبالتالي اضاعة آلاف فرص العمل، إذ وصلت المستوردات 20 مليار دولار عام 2017، و كل 30 ألف دولار من المستوردات تعادل فرصة عمل. أي أن تصنيع ما يعادل6 مليارات من السلع يكفي لتوليد 200 ألف فرصة عمل.
رابعاً : فوضى العمالة الوافدة والمهاجرة والتي تنافس العمالة الوطنية و تقبل بالأجور المتاحة،و تبلغ أكثر من 1.3 مليون عامل .
خامساً : عدم اكتراث الإدارات المسؤولة عن التدريب والتأهيل و العمل باحتياجات القطاعات المتخصصة من القوى العاملة، و»غياب الشراكة الحقيقية بين القطاعات الرسمية والخاصة لابتكار حلول إبداعية للتشغيل»،و لوضع برامج احلال تدريجي.
سادساً : غياب برامج التصنيع، وعدم الاكتراث بالمصانع التي تغلق أبوابها، لأسباب مالية أو تكنولوجية أو عمالية أو تنافسية، واعتبار اغلاق المصانع والتي تجاوزت 3500 مصنع خلال السنوات الماضية،أمرً عادياً لا علاقة للحكومة به .
سابعاً : عدم بذل الجهود للارتقاء بالمستوى التكنولوجي واللوجستي والإداري للخدمات وبعض الصناعات حتى يقبل عليها العامل الأردني حتى لو كان جامعياً.
ثامناً : البطء الشديد في نمو الاقتصاد الوطني والذي يتأرجح معدل النمو فيه حول 2.5 % وهو نمو لا يستطيع توليد أكثر من 35 ألف فرصة سنوياً، في حين أن المطلوب يزيد عن 100 ألف فرصة عمل. وهذا يفسر الزيادة المستمرة في اعداد العاطلين عن العمل حتى لو بقيت النسبة ثابتة.
تاسعاً : «العلاقة الضائعة» بين التعليم من جهة، وبين سوق الانتاج وسوق العمل من جهة أخرى. حيث يتميز الانتاج والعمل كليهما بالضعف و الإعتماد على الإستيراد. وهذا جعل البطالة بين حملة الشهادات الجامعية مرتفعة .
والسؤال الذي يطرح باستمرار ومع كل حكومة جديدة : هل هناك فرصة للخروج من نفق البطالة المظلم ؟ هل الخروج ممكن؟
الإجابة نعم ولكن بالعمل المبرمج الجاد الذي تشارك فيه جميع الأطراف، وكما فعلت دول أخرى، وفي الإطار التالي :
أولاً : الدخول في برنامج وطني لتصنيع الاقتصاد.. حيث لا بديل عن ذلك. فالاقتصاد القائم على تصدير المهارات و العقول، و على التجارة والخدمات غير المتطورة حسب متطلبات الثورة الصناعية، هذا الاقتصاد غير قادر على توليد فرص عمل كافية لمختلف الفئات.
ثانياً : التركيز على فتح مشاريع انتاجية كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة دون اهمال الجانب التكنولوجي و القيمة المضافة مثل صناعة الملابس والجلود والمستلزمات الرياضية والأحذية. حيث يبلغ متوسط مستوردات الأردن منها مئات الملايين من الدنانير سنوياً.
ثالثاً : وضع حد نهائي لمشكلات المصانع والشركات المتعثرة، من خلال لجان متخصصة تشارك فيها الحكومة والقطاع الخاص والأكاديميا والبنوك.
رابعاً : انشاء مراكز تدريب تكنولوجية متخصصة بقطاعات معنية بالشراكة بين القطاع المعني والحكومة ومؤسسات تدريب مهني وطنية وأجنبية .
خامساً : وضع خطة للاحلال التدريجي للعمالة الوافدة من خلال صناديق تعويض و ادخار و مجمعات إسكان للعمالة الأردنية .
سادساً : الدخول الجاد في تنمية المحافظات بمشاريع انتاجية جديدة بمساهمة الحكومة والشركات الكبرى والبنوك و التعاونيات .
سابعاً :إنشاء شركات للخدمات العامة لرفع مستواها وجعلها مقبولة اجتماعياً ونفسياً .
و أخيرا ليس مقبولا، و الأردن لديه رأسمال بشري متميز، أن نقف عاجزين عن مواجهة البطالة، وعن بناء مستقبل أكثر إشراقا للأجيال.