صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام : ” صنفان من أمتي إذا صلًحا صلُح الناس، وإذا فسُدا فسُد الناس : الأمراء والعلماء “. فما أصدق هذا الوصف من رسولنا الكريم، الذي لمسنا وما زلنا نلمس فساد الأمراء والعلماء في حياتنا اليومية وخاصة، في العقود الأخيرة من هذا الزمان.
فالأمراء أي الحكام بمختلف مواقعهم قد تفننوا في أساليب الفساد من خلال مواقعهم الوظيفية، ولا تكاد تمر علينا بضعة أيام إلا ونسمع عن قضايا فساد بمختلف صنوفها من موظفين ومثقفين. والمحزن في الأمر أن تلك الممارسات تتكرر بين حين وآخر دون أن يتلقى فاعلوها حسابا على ما اقترفته أيديهم، ومع هذا تعلو أصواتهم المنكرة فوق أصوات أهل الحق النقية.
لا أجد ضرورة لتلويث هذه الصفحة بذكر أسماء الفاسدين، الذين يعرفهم كل مواطن في هذا البلد، وكنني أستغرب أن يصل ذلك الفساد مصحوبا بالنفاق الرخيص إلى بعض أعضاء البرلمان، الذي نحترمه بصورة عامة، ونحترم أعضاءه الآخرين الذين يحملون هم الوطن والمواطنين بكل أمانة وصدق.
مناسبة هذا الحديث هو ما شاهدناه من خطابات في جلسات الموازنة العامة لهذا العام، وكيف أنها انحرفت عن أساسيات الموضوع لتذهب إلى قضايا جانبية لا تمت للموضوع بصلة، بل للتغطية على فضائحهم وسوء أعمالهم. فمثلا هناك أحد النواب الذي اشتهر باستعراضاته واستخدام أطرافه بدلا من عقله، وحول قاعة المجلس إلى ساحة لعراك غير حضاري، تتناقله وسائل الإعلام المحلية العالمية بالصوت والصورة، على شكل مهزلة يتندر بها المشاهدون في أرجاء الأرض.
ومن المؤسف أن ذلك النائب الذي يمثل عشيرة نقدم لها كل التقدير والاحترام، لما قدمته من تضحيات ساهمت في بناء هذا الوطن، إلا أنني أتحدث عنه كنائب أولا وكمحامٍ يتولى الدفاع عن فاسد كبير كما وصفته وسائل الإعلام ثانيا. فانكشف أمام ناخبيه والشعب الأردني مما شكل أزمة شخصية له. ومع ذلك فهو يزاود على المتقاعدين العسكريين في الإخلاص للوطن ومحاربة الفاسدين، ويخلق أزمة أكبر لعلها تغطي على أزمته السابقة.
لقد اتهم النائب المحامي أولئك الرجال تحت القبة بقوله : ” لقد قصدت خلال خطابي في مناقشة الموازنة تحت القبة أشخاصا محدودين جدا، أساءوا لأنفسهم وللقيادة الهاشمية في تجاوز الخطوط الحمر … نرفع القبعات للمتقاعدين العسكريين الذين لم ينخرطوا يوما ضد الوطن والقيادة الهاشمية . . “.
وهنا أسأل ذلك العبقري: ما هي الإساءة إلى أنفسهم وللقيادة الهاشمية في تجاوز الخطوط الحمر التي تفضلت بها ؟ ومن هم الذين انخرطوا يوما ضد الوطن والقيادة الهاشمية كما تدعي ؟ لا شك بأنها تهم خطيرة تتعلق ( بخيانة الوطن وخيانة القيادة الهاشمية )، التي أقسمنا يمين الإخلاص لهما، في الخدمة وخارجها ؟
نحن يا حضرة المحامي نمارس حقنا في التعبير عن آرائنا بصورة سلمية، وهي التي كفلها الدستور، وننادي بإصلاح النظام ليس بإسقاطه، لأننا نؤمن أن الحفاظ عليه هو صمام الأمان لحماية الوطن وسلامته. وهذا دليل على أنك لم تقرأ نصوص الدستور الذي تلوح به في حواراتك مع الآخرين. كما أنك مطالبتك بسحب رواتب المتقاعدين العسكريين والمدنيين الذي يتظاهرون من أجل الإصلاح، هو دليل آخر على جهلك بالقوانين التي تجعل ذلك حقا مكتسبا ولا تسمح بذلك الفعل.
الدفاع عن الوطن وعن القيادة الهاشمية لا يتم بالصراخ من سقف السيل، ولا من أعلى قمة في جبال عمان ولا من الصحراء الواسعة، أنما يتم بالعمل الجاد على الأرض وعلى ثغور الوطن. فعندما كان المتقاعدون الذين تطاولت عليهم، يحاربون العدو الإسرائيلي في فلسطين وحملوا جراحهم ندبات على أجسادهم، وفقدوا رفاقهم شهداء على ثرى فلسطين – رحمهم الله – وعندما حافظوا على النظام في الأردن عام 1970، لا نعرف في أي جبهة كنت تحارب دفاعا عن الوطن، أم كنت تختبئ في أحد الملاجئ أو الكهوف ؟
وهناك نائب مغمور على شاكلتك، لم يجد وسيلة للتهجم على كبار المتقاعدين، إلا بعد أن تفتحت قريحته بليلة ظلماء من جوار مقام أهل الكهف، لينظم شعر الهجاء الركيك، وكأنه في أمام خليفة عباسي ليجزيه بقوله: انقده يا فتى ألف دينار. أما ثالثهم فقد انطلق بالتصفيق للشاعر المبدع من آخر القاعة، لعله يظفر بنصيبه من الجائزة.
الغريب في الأمر، أن رئيس مجلس النواب، كان يستمع لتلك الاتهامات والإساء التي وجهت للمتقاعدين العسكريين من بعض النواب ولم يردعهم. علما بأنة كان يردع كل متحدث من النواب عندما يتعرض لأحد زملائه أو لآخرين حتى ولو بكلمات بسيطة. فالسكوت وعدم الاعتراض هو دليل الموافقة على ما قيل. وكذلك نعتب على زملائنا العسكريين من النواب الذين لم يوقفوا المتطاولين عند حدهم.
ليس هذا فحسب . . فهناك أيضا في مجال العلم من يلقب نفسه بدكتور أكاديمي، ولا أعلم كم ثمن هذا اللقب ومن أي سوق حصل عليه، ليتجرأ بكتابة مقال يضم كل ما تنضح به نفسه من إساءات. فمن قصده ولوثه بقلمه، شارك في كل الحروب التي جرت بين القوات المسلحة الأردنية والعدو الصهيوني على أرض فلسطين وفي الجولان، ولا نعرف أين كان في حينه ؟ لقد حزنت بعد قراءة مقاله عمن يتتلمذون على يديه إذا كان فعلا مدرّسا في جامعة، ولم استغرب تردى مستوى التعليم في الأردن، طالما أن أساتذته يستعملون هذه اللغة السيئة.
المتقاعدون العسكريون أشرف من كل المنافقين والإمعات الباحثين عن المكاسب والارتزاق، وعندما خرج المتقاعدون مع المتظاهرين من أحرار الشعب، فلأنهم يخافون على بلدهم ونظامهم اللذين ضحوا من أجلهما، لكي يدرءوا الخطر عنه ويحموه من الانهيار، الذي تمارسه مجموعات ذات أجندة مشبوهة في داخل البلد وخارجه.
المتقاعدون العسكريون لم ولن يكونوا ضد الوطن ونظامه في يوم من الأيام كما يدعي المنافقون. وهنا نسألهم : ماذا قدموا للوطن سوى خدمة مصالحهم واستعراضاتهم الكاذبة ؟ في أحد الأيام سأل رجل صاحبه : ” لماذا هواء الفجر نقيا وعليلا ؟ فأجابه صاحبه : لأنه يخلو من أنفاس المنافقين “. ونرجو اهن أن يحمينا منهم لأنهم أساس البلاء.
وفي الختام إلا يسعني إلا أن أقول لمن يزايدون على المتقاعدين العسكريين، ويتهمونهم زورا ( بالخيانة العظمى التي سنحاسبهم عليها مستقبلا ) : قليل من الخجل أيها المنافقون . . فقد خاب فألكم ..!
التاريخ : 8 / 1 / 2019