صراحة نيوز – بقلم د ابراهيم بدران
خلال المؤتمر الإعلامي الذي عقده د. عمر الرزاز رئيس الوزراء، أعلن الرئيس عن (7) أولويات للحكومة يندرج في إطارها (142) إجراء ومبادرة، ويستتبعها تحقيق (41) مؤشر أداء على المستوى الوطني والعالمي. والبنود السبعة جميعها من المبادئ الأساسية والمستمرة لأي إدارة.
إن تعزيز الهوية الوطنية الجامعة يتطلب المشاركة الدائمة من المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية والإدارية والإعلامية، لكي تدفع جميع المواد والإجراءات والنشاطات التي تقوم بها لتكون معبرة عن هذا المفهوم الوطني الصحيح. وليس من المفيد أن تكون هناك ” فزعات” موسمية في هذا المجال لأن الموضوع يتناول صميم البنية المجتمعية والإدارية بأسرها.
أما المشاركة في الحياة السياسية بالجوهر والعمق وليس بالشكل والظاهر فهي حجز الزاوية للانتقال من “الحكومات الفردانية” إلى “الحكومات البرامجية”، ولا يتأتى ذلك إلاّ من خلال :-
أولاً: إطلاق الحريات السياسية وتدعيمها ، خاصة وأن دليل الحريات السياسية لدينا حسب التقارير الدولية (34 %).
ثانياً: النشاط الحزبي المنظم والمستقر والبعيد عن التدخلات المنظورة والخفية.
وحتى يتحقق ذلك لا بد أن يكون هناك إدراك حقيقي لدى الدولة بمفاصلها الرئيسية العميقة بأن الحياة الديمقراطية القائمة على الحزبية الوطنية الصحيحة، والحرية المسؤولة، هي ضرورة استمرار ومنعة للوطن، وقوة للحكومة وللدولة وتماسك المجتمع، وليس مظهرا شكليا.
إن حال الديمقراطية في عموم الأقطار العربية متواضع تماماً، وتصنيفها، باستثناء تونس، دولا سلطوية ، ولا يتجاوز دليل الديمقراطية لدينا (39.3 %)، وترتيبنا الدولي (118).
وهذا يتطلب تعديل قانوني الأحزاب والانتخابات ليصبح للقوائم الحزبية (60 %) من مقاعد البرلمان، وتكون الانتخابات على أساس القوائم الوطنية مع مقعد واحد لكل لواء.
أما أعداد الأحزاب فتلك مسألة لا يمكن فرضها بقرار، ولكنها تتصحح وتستقر تلقائيا من خلال الممارسة، وحين يدرك الجميع أن التكتل الحزبي يمثل طريق النجاح بعيدا عن الضغوط والإغراءات.
أما الأمن الوطني فإنه يقوم على دعائم رئيسية أربع: أولها: الجيش والأجهزة الأمنية جميعها، وهذه محل تقدير واعتزاز من جميع الأردنيين. وثانيها: الأمن المجتمعي وثالثها:الأمن الاقتصادي ورابعها: الأمن السياسي الداخلي.
والعمل على هذه الدعائم ينبغي أن يكون مستمراً من حيث الوحدة الوطنية وحقوق المواطنة والمساواة والمشاركة وسيادة القانون. حيث لا يتجاوز دليل حكم القانون لدينا (57 %) وترتيبنا الدولي (49) من (126) دولة.
إن دليل الأمن لدينا في حدود (50 %) أو (1.02 من 2.012) وترتيبنا (77). ومن جانب آخر فإن الأمن الاقتصادي لا يتحقق، إلاّ إذا انتقلنا فعلا من الدولة الريعية إلى دولة الإنتاج القائم على التصنيع الحديث في جميع القطاعات.
فمعدل النمو الاقتصادي ما زال ضعيفا ولا يتجاوز (2 %) سنويا وهذا من شأنه أن يزيد من مساحات الفقر ويضغط الطبقة الوسطى إلى أقل من (15 %) .وهو أمر بالغ الخطورة من حيث مفهوم الأمن المجتمعي. فما هي البرامج الاقتصادية والمشاريع الإنتاجية التي ستبدأ بها الحكومة خلال السنة القادمة ومن هم شركاؤها وما هو مجمل النمو الاقتصادي المستهدف والذي ينبغي أن يتجاوز معدل النمو السكاني و البالغ (2.9 %).
إن الاعتماد على الذات له جوانبه الاقتصادية ، كما أن له جوانبه الإدارية، من حيث تقليص حجم ونفقات الإدارة الحكومية، حتى يصبح العجز في الموازنة أقل ما يمكن، إضافة إلى ضرورة الاعتماد على الخبراء الأردنيين في وضع الخطط والبرامج والحلول، وفي مقدمتها المشكلات العالقة مثل دمج المؤسسات والتجنب والتهرب الضريبي وغير ذلك. كما أنه لا بد من تعزيز الاعتماد على التمويل الوطني للمشاريع، من خلال برامج الاقتصاد الاجتماعي التي تستثمر أموال صغار المدخرين بعد تجميعها في صناديق وجمعيات استثمارية، وبضمانة الحكومة.
فما هي الأرقام المستهدفة لتخفيض العجز؟ وما هي السقوف المخفضة للمساعدات والمنح والقروض بعد أن وصل الدين العام ما يقرب (98 %) من الناتج المحلي الإجمالي؟
أما تحسين جودة الخدمات الحكومية فيتطلب قبل كل شيء رفع كفاءة الإدارة الحكومية من خلال مدخلين رئيسين الأول:”التدريب القطاعي التخصصي” للموظفين والثاني: “تغيير منظور الإدارة الرسمية على شتى المستويات نحو المواطن لتتحول “من السيطرة إلى الخدمة “.
إن دليل فاعلية الحكومة لدينا (0.11) (مقابل سنغافورة 2.23) ويأتي ترتيب الأردن (79) بين دول العالم .الأمر الذي يستدعي برامج تأهيل حقيقية في الوزارات والمؤسسات.
إن التشغيل يحتل أهمية كبرى، خاصة وإن معدل البطالة لدينا قد وصل مستوى خطيرا (19.5 %) مقابل المتوسط العربي (15.2 %) والمتوسط العالمي (7.9 %)، وأن فرص العمل المطلوبة سنويا تقترب من (80) ألفا.
ولا ينجح التشغيل إلاّ من خلال المشاريع الجديدة ودعم المشاريع الصغيرة والريادية، ووضعها في سياق القطاعات الاقتصادية ذات العلاقة. ويحتل الأردن المنزلة (64) بين دول العالم في الريادية، في حين أن دليل الريادية لدينا فقط (29.4 %). الأمر الذي يتطلب مساهمة فعالة من المؤسسات التعليمية والتدريبية والإعلامية والثقافية والتعاون مع القطاع الخاص.
ويرتبط بالريادية والمشاريع موضوع “سهولة الأعمال” حيث تحتل بلادنا الترتيب (75) بين (190) دولة. الأمر الذي يتطلب مراجعة الإجراءات مراجعة شاملة وعميقة بالتشارك مع الخبراء ومع ممثلي القطاع الخاص، حتى تصبح الأعمال لدينا مشجعة للمستثمرين.
ومن جانب آخر فإن البيئة الاستثمارية لا يتحقق تمكينها ورفع مستواها إلا من خلال تجذير النزاهة ومكافحة الفساد بأشكاله الظاهرة والخفية العاجلة والآجلة.
إن دليل مدركات الفساد لدينا (48 %) ونحتل المرتبة (60) بين دول العالم. ولا بد من إجراءات إدارية وقانونية وأخلاقية لرفع مستوى النزاهة وتقليص الفساد المالي والإداري والأدائي والنفسي.
وبالإضافة للتشريعات فإن مدونات السلوك يجب أن تصبح مرجعا ملزما للقطاعين العام والخاص، لتقليص الفساد الخفي والفساد المؤجل والذي تتفاقم أضراره بسبب صغر حجم الاقتصاد الوطني وصغر حجم السوق الأردني.
إن استدامة الاستثمارات واجتذاب الجديد منها ،يتطلب إصلاحات إدارية تخصصية، و شفافية واستقراراً في التشريعات، وناجزية في القضاء، والنظر إلى آليات الإدارة من منظور المستثمر الذي يبحث عن البيئة الأفضل، وليس من منظور الموظف الذي يسمح أو يمنع. إن مراجعة عميقة وشاملة لكلفة الاستثمار وكلفة الإنتاج ومعدلات الفائدة، سواء في الصناعة أو الزراعة أو السياحة أو غيرها، يمثل أحد العوامل الرئيسية في ديمومة وازدهار البيئة الاستثمارية.
إن نوعية الحياة ، والتي تعني الشيء الكثير للمستثمر، تقيمها المؤسسات الدولية لدينا باعتبارها متوسطة، ويحتل الأردن الترتيب (56) بين دول العالم، حيث دليل نوعية الحياة في بلدنا (112) مقابل (193) للدنمارك وهي الأفضل في العالم.
إن إمكانات الأردن جيدة، ورأس مالها البشري متميّز تماماً ،ولكن الأمر يحتاج إلى روح جديدة، و عقل مستنير،و عزيمة صادقة، في الإدارة والمشاركة والالتزام والمسؤولية تجاه المستقبل.
*وزير التربية والتعليم الأسبق