القبضة الأمنية ليست هي الحل . . !

15 مايو 2019
القبضة الأمنية ليست هي الحل . . !

صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان

تواجه الدول خلال مسيراتها الزمانية والمكانية أزمات مختلفة، من أخطرها الأزمات الأمنية. وفي هذه الحالة على العقلاء في الدولة أن يتصدوا لمعالجتها بحكمة وروية، من خلال تهدئة الأمور ونزع صواعق التفجير منها، لضمان عدم خروجها عن السيطرة، فتزيد الأمور تعقيدا ويحدث ما لا يُحمد عقباه.

من الواضح أن الدولة الأردنية ومن خلال تعييناتها وخطاباتها الأخيرة، قررت اللجوء إلى القبضة الأمنية وتكميم الأفواه، من خلال قانون الجرائم الإلكترونية. وذلك القانون أعطى عقوبة مبالغ بها لبعض الأفعال التي قد يرتكبها بعض المواطنين. فمثلا هل يعقل أن ضغطة أصبع على كلمة ( Like ) على منشور في صفحات التواصل الاجتماعي، تأخذ صفة الجريمة مثلها مثل القتل أو الاختلاس أو تعاطي المخدرات أو العمل الإرهابي ؟

وتحت ذلك القانون الذي روج له رؤساء وزارات سابقين، تُكمم الأفواه خدمة للفاسدين، ويودع بعض الشباب في السجون، تحت تهم مختلفة من بينها إطالة اللسان أو تقويض نظام الحكم. فطالما أن كبار المسؤولين يقولون أننا دولة مستقرة بنظام حكمها وسلطاتها الثلاث، وعقدها الاجتماعي المتفق عليه بين الحاكم والمحكوم، كيف يمكن لشخص أعزل، لا ينتمي لأي تنظيم مناوئ أن يقوض نظام الحكم ؟ وهل نظام الحكم بهذه الهشاشة التي يخشاها بعض الموتورين ؟

ثم أن إطالة اللسان ما هي إلا تعبرا عن المستوى الأخلاقي، الذي يتلفظ بها ذلك الشخص ويتنافي مع تقاليدنا العربية الأصيلة. وأرى أن من الأفضل تجاوز هذه التهمة إتباعا لقوله تعالى في سورة المائدة: (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ) ، فلماذا لا نعتبر إطالة اللسان لغوا صدر عن جاهل، لا يغير من الحقائق ولا يستحق الاهتمام.

صحيح أن حرية التظاهر والاحتجاج السلمي والتعبير عن الرأي ضمن حدود معينة، هو حق مكفول للمواطن في الدستور. ومن يتجاوز ذلك برفع شعارات مسيئة يمكن محاسبته ولكن بطريقة إصلاحية، تجعله يبتعد عن تلك الممارسات. كما علينا أن نتقصى أسباب تلك التظاهرات والاحتجاجات وإجراء حوارات مع أصحابها ومحاولة توجيهها لما فيه الوطن.

إن إرسال زوار الفجر من الأجهزة الأمنية، مزودين بالهراوات والأسلحة النارية وقنابل الغاز، لاقتحام حرمات البيوت لبعض المواطنين وترويع النساء والأطفال، فهذا أسلوب يتنافى مع حقوق وكرامة الإنسان ولم نعتد عليه في تقاليدنا العربية الأصيلة. الشخص الذي خرج في تظاهرة مطالبا بالإصلاح وأخطأ في عبارة تلفظ بها ليس مجرم، كي تُرسل له قوة أمنية مسلحة لجلبه مخفورا، بل يمكن استدعاؤه بالهاتف.

علينا أن نتذكر أن أولئك الشباب الذين خرجوا للتظاهر أو ساروا مئات الكيلومترات ليقفوا أمام الديوان الملكي ويعبروا عن أوضاعهم، وأنهم فقدوا الأمل في الوضع الحاضر والمستقبل، ويطلبون الدولة أن تخلق لهم وظائف وتضمن لهم عيشا كريما، بعد أن فشلت كل الوعود الهلامية. فالقبضة الأمنية لم تكن في يوم من الأيام أسلوبا مناسبا لحل مشاكل الشعب، والتغلب على أزمات الدولة الحرجة، بل أنها تعقد الأمور وتزعزع استقرار الدولة. ولنتذكر البو عزيزي في تونس، الذي أضرم النار بنفسه بعد أن صفعته الشرطية وصادرت عربة الخضار والفواكه التي كان يعتاش منها ولم يجد من يمد له يد المساعدة من المسئولين، فكانت الثورة في عام 2010. وكذل الطفل السوري معاوية من مدينة درعا الذي أشعل الثورة عام 2011 عندما كتب على الجدار : ” إجاك الدور يا دكتور “.

إن حل الأزمات لا يحتاج إلى مسؤولين يكشرون ‘ن أنيابهم ويحتقرون الشعب، ثم يلجئون إلى العنف وإيداع الناس في السجون ويوترون الأجواء العامة في البلاد، بل إنها تحتاج إلى عقول ناضجة تتعامل بحكمة مع أبناء الشعب المتظاهرين والمحتجين من أجل صالح الوطن، ولا يجوز أن تأخذ الدولة دورها ودور المواطن. وفي هذا المجال يقول الدكتور عاطف الغمري ما يلي: ” الدولة أشبه بكيان يمشي على ساقين – الحكم والناس – وإذا استغنى الحكم بنفسه عن الناس ولعب الدورين معا دورهم ودوره، فهو كمن يمشي بساق واحدة، وإن فعل فهو متعثر الخطى، منتكس الاتزان، عاجز أن يصلب طولا أو يثبت قدما”.

وهنا أود أن أذكّر المسؤولين والقراء الكرام بما فعله الشهيد وصفي التل : عندما كان رئيسا للوزراء في أواسط الستينات، كان قد خصص يوم الاثنين من كل أسبوع للاستماع إلى شكاوى المواطنين. ذهب عدد من وجهاء القرى المجاورة لعمان لمقابلته. فشكا له أحد المواطنين بحزن، أن ابنه اعتقل من قبل الأجهزة الأمنية لأنه سب وصفي التل. وأطلعه على ورقة المركز الأمني التي أعتقل ابنه بموجبها، ورجا دولته أن يطلق سراحه.

تأثر وصفي لهذا الفعل من قبل الأجهزة الأمنية، وما كان منه إلا أن أخذ ورقة المركز الأمني وكتب عليها : ” يلعن أبو وصفي التل اللي بتسجنوا الناس مشانه “. وطلب منه مراجعة المركز الأمني بتلك الورقة للإفراج عن ابنه. هكذا تصرف الزعيم الذي ترفع عن الصغائر، ويعطي المثل الأعلى للقائد النموذج الذي نحن بحاجة إليه. ولهذا لا نستغرب عندما تثور أعصاب بعض المسؤولين عند سماعهم ذكر اسم وصفي التل رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

ختاما أرجو الله أن يسلّم هذا البلد وأهله من تصرفات بعض المسؤولين، الذين لا يحسبون حسابا لعواقب الأمور، ويعملون على هدمه من الداخل. واجعل اللهم آخر دعوانا في هذا الشهر الفضيل، أن يهدي مسؤولينا إلى طريق الخير وخدمة الأردن وأهله.

التاريخ : 15 / 5 / 2019

* ملحوظة: أرجو من المعلقين المحترمين عدم الإساءة في تعليقاتكم لأي كان ولكم الشكر.

الاخبار العاجلة