صراحة نيوز – بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
تصور أنك خرجت هذه الأيام في الحر الشديد ووجدت بائعاً متجولاً يبيع عصيراً بارداً هو أجمل ما تتمناه في ذلك الوقت، إقتربت من البائع لأخذ العصير لتجد منظر العصير في غاية الروعة إلا أن البائع قبل أن يعطيك إياه وضع فيه بعض الأتربة والغبار التي جمعها من الجو بحجة أنها عادية وموجودة في الجو بإستمرار، ترى هل ستشرب العصير؟
بالتأكيد ستراجع نفسك كثيراً قبل الإقدام على خطوة قد تسبب لك الكثير من المتاعب والمشاكل الصحية لأجل أن تروي عطشك في تلك اللحظة، وهذا هو تماماً ما نشاهده في بعض الاعمال الكوميدية “على سبيل المثال لا الحصر” الأردنية والعربية خلال الفترة الأخيرة، والتي يتعطش أحدنا لمشاهدتها أحياناً لعلها تنجح في رسم إبتسامة على وجهه وسط محيط ملئ بالحروب والأحزان والآهات والنكبات المتتالية.
تتابع العمل فتجد الفنان أو الفنانة بغاية خفة الظل والقدرة على إضحاك المشاهدين، تم تنصدم بعمل ملئ بالصراخ والألفاظ البذيئة وغيرها من التصرفات الخارجة عن الذوق العام لتبتعد عن المشاهدة شيئاً فشيئاً، خصوصاً إن كان أفراد عائلتك معك والصغار منهم تحديداً ممن لا تريد لهم سبباً إضافياً لتعلم مثل هذه الألفاظ أو التصرفات السيئة، لتتبخر أحلامك في مشاهدة إبتسامة “نظيفة” “لطيفة” لا تشوبها الشوائب والتي يضيفها البعض كبهارات للعمل إعتقاداً بأن هذا يضحك المشاهدين بصورة أكبر !
والأهم من ذلك تركيز هذه الأعمال على الجوانب السلبية في مجتمعاتنا، بل وتعزيزها سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالحرص على إظهارها والتركيز عليها بشكل مستمر، وهنا عندما تناقش أحد القائمين على مثل هذه الأعمال أو المؤيدين لها في الأمر يكون جوابه جاهزاً وهو أنك تعيش في عالم من الأحلام وأنك منفصل عن الواقع أو أنك لا تعرف مجتمعك الذي تعيش فيه، وأن “الغلط موجود” في كل زاوية من زوايا هذا المجتمع والألفاظ البذيئة باتت أكثر من عادية بين أفراده، الأمر الذي قد يكون صحيحاً عند جزء من المجتمع ولكن المؤكد أن هذا الجزء لا يمثل المجتمع بأكمله ولا الجهة الغالبة فيه.
ومازاد الطين بلة ظهور مسلسل أردني جديد أنتجته وعرضته إحدى الشركات الأمريكية الشهيرة مؤخراً، يتحدث عن تجربة شباب أردني مع الجن في مدينة البتراء التاريخية، إدعى القائمين عليه أنه أوصل الشباب الأردني للعالمية وساهم في الترويج للأردن وأماكنها السياحية، إلا أنه في المقابل أظهر الشباب الأردني في أسوأ درجات الإنحلال والإنحطاط الأخلاقي، ما سبب رفضاً كبيراً للعمل بين أفراد المجتمع ولمثل هذه الأعمال “المنفصلة” عنا روحاً ونصاً وأداء والتي لا تعبر إلا عن صورة يتمنى القائمين عليها الظهور بها !
بالأمس ركبنا مع أحد الأشقاء من المملكة العربية السعودية وكان طوال الطريق يتغنى بالشباب الأردني “النشامى” حتى أنه أطلق لقب”نشمي” على نفسه حباً وتعلقاً بأهل الأردن وشبابه، وقبله زميل في العمل من دول جنوب شرق آسيا يتمنى زيارة الأردن لأجل سمعة أهله الطيبة.
هذه السمعة التي ربطت أهله إناثاً وذكوراً بمعاني الأخلاق الرفيعة والنخوة والشهامة والرجولة والتصميم والإرادة والحياء والحشمة على مر السنين مع وجود الكثير من الأخطاء لديهم كغيرهم من المجتمعات فهم ليسوا ملائكة بالتأكيد، لكن محاولات البعض الإساءة لهذه السمعة الطيبة سواء بقصد أو بدون قصد هو ما دفعنا لكتابة هذه السطور، فمع التأكيد على وجود بعض الأعمال المميزة التي تقدم صورة جميلة وهادفة وإبتسامة جميلة في إعلامنا بين الحين والآخر والتي نتمنى تعزيزها وإعطاء الفرصة لها دائماً، إلا أن الأعمال المعتمدة على أن “الغلط موجود” في مجتمعاتنا وهو كذلك بالتأكيد ولا ينكر وجوده أحد مع ما يصاحبها من إبتذال وألفاظ غير لائقة لا يمكن أن تتوافق مع إظهار الإعلام للجانب الإيجابي في المجتمع وتعزيزه في عقول المشاهدين، ومع ضرورة إظهار الجانب السلبي مع طرح حلول له وتعزيز صورة رفضه في المجتمع وليس إظهاره أمراً عادياً ومقبولاً من الجميع، هذا مع مراعاة من يرغب بإنتاج عمل كوميدي بهدف إضحاك المشاهدين فقط على سبيل المثال دون الخوض في مشاكل أو علاجها وهو أمر مفهوم، لكن حتى هؤلاء بإمكانهم عدم تلطيخ أعمالهم بشوائب تتسبب في تنفير جزء كبير من المشاهدين، ونكاد نجزم هنا بأن معظم أفراد المجتمع يتمنون مشاهدة إعلام يعكس صورة مجتمعهم الجميلة وتعزيزها بينهم، وعلى من كان يرغب بالتأكد أن يخرج للشارع ويسأل أي شخص إن كان يحب إظهاره وهو في أسوأ حالاته أم وهو في أفضل حالاته.