عندما تكون ضعيفا ، هزيلا ، متهالكًا ، مهزومًا ، لا تقوى على فعل شيء ، يطمع بك الآخر ، ويسن سكاكينه ، ويشحذ همته ، ويترصد ، وينتظر ان تحين الفرصة للانقضاض ، ليفترسك ، ويجهز عليك ، ويقطعك إرباً ، هذا ينطبق على كل الأحياء ، بشر ، وحيوانات ، وحشرات ، وحتى النباتات ، فكيف على مستوى الدول !!؟؟
في غفلة عربية ، وهوان عربي ، تفنن الخبث الصهيوني ، ومدّ جسور التعاون ، مع القارة الأفريقية بعامتها ، وإثيوبيا خاصة ، استهدافاً لمصر ، لانها تعرف أين يكمن وجع مصر العروبة ، وضعفها ، انه النيل ، شريان حياتها ، ومصر هي هبته . بدون النيل تصبح مصر صحراء قاحلة ، لا ماء ، ولا غداء ، ولا زراعة ، ولا صناعة ، ولا حياة فيها . مصر بدون النيل تصبح غير قابلة لحياة البشر ، والشجر ، وحتى الحجر لو استطاع لهجرها.
كانت مصر هي التي تقود ، وتوجه ، وتسود ، وتتسيد الموقف في القارة الأفريقية عامة ، الكل تابع ، ومصر المتبوع . هذا اصبح من التاريخ ، من الذكريات الجميلة ، لكنها مؤلمة ، قبل ان يطغى ، ويتغلغل ، ويسيطر الكابوس الاسرائيلي ، ويوجه ، ويصنع القرار الأثيوبي .
سد النهضة الإثيوبي ، سعته التخزينية ( ٦٣ ) مليار متر مكعب من المياة ، كلفته ( ٤,٧ ) مليار دولار ، يولد ( ٦٤٥٠ ) ميغاواط كهرباء ، طول السد ( ١٨٠٠ ) م ، ارتفاعه ( ١٤٥ ) م ، يحتوي ( ١٦ ) توربيناً ، متوقع انجازه عام ٢٠٢٣ . حصة مصر المتفق عليها منذ عام ١٩٠٢ تساوي ( ٥٥,٥ ) مليار متر مكعب سنويًا من مياة النيل ، حصة السودان ( ١٨,٥ ) مليار متر مكعب سنويا . اتفاقية عام ١٩٠٢ التي تمت برعاية بريطانية ، تضمنت ما يلي : ضمان تدفق ( ٧,٧٪ ) من مياة النيل للسودان ، و ( ٩٢,٣٪ ) إلى مصر ، وضمنت الاتفاقية حق مصر في الاعتراض في حال انشأت الدول المشاطئة للنيل مشروعات جديدة ، وعدم إقامة مشاريع تضر في حصة مصر .
لم تأخذ إثيوبيا موافقة مصر على إنشاء السد ، الذي يفترض ان يتم قبل البدء بإنشائه . أما الخلاف بين مصر وإثيوبيا الان فانه ينحصر في المدة المطلوبة لملء خزان السد ، عرضت مصر ان يتم ملء خزان السد خلال الفترة من ( ٧-١٠ ) سنوات ، بينما أثيوبيا تصر على ( ٣-٧ ) سنوات ، ومصلحة الجميع في (٦-٧) سنوات ، حسب رأي الخبراء ، وعرضت مصر بان تقدم أثيوبيا ( ٤٠ ) مليار متر مكعب من المياة إلى مصر سنويا لحين امتلاء السد ، لاحظوا ان مصر تنازلت وخفضت من حصتها ( ١٥,٥ ) مليار متر مكعب سنوياً إلى سبع سنوات ، بحيث يبقى مستوى المياة في سد أسوان عند ( ١٦٥ ) متر فوق سطح البحر ، لكن إثيوبيا رفضت .
مع كل هذا التساهل والتنازل الذي قدمته مصر ، تدعي اثيوبيا ، بان مصر اتبعت تكتيكاً تخريبياً خلال المشاورات . مع ان إثيوبيا لم تستشر مصر قبل الشروع في مشروع بناء السد وفق اتفاقية عام ١٩٠٢ ، ثم ان مصر خفضت من حصتها السنوية ما نسبته ( ٢٨٪ ) سنويًا . هذا التشدد الإثيوبي الحالي ، سبقه اتفاق بين كل الأطراف قبل بضعة أعوام ، لكن إثيوبيا تخلت عن الاتفاق ، وعن تعهداتها ، بعد ان دخلت اسرائيل على الخط ، وأقنعت إثيوبيا بالتخلي عن الاتفاق الذي تم .
مصر تعتمد على نهر النيل في الحصول على ( ٩٠٪ ) من احتياجاتها من المياة ، وليس أمام مصر الا ترشيد الاستهلاك من المياة ، وتحلية مياة البحر ، لتعويض النقص ، فيما لو لم يتم التوصل إلى اتفاق . أما من ناحية التشدد الإثيوبي ، فان أمام مصر : ان تعمل على حشد التأييد الأفريقي ، للضغط على إثيوبيا للتراجع ، أو الاستعانة بطرف ثالث ، والمقصود امريكا ، وهذا الوسيط لن يخرج عن التوجهات الاسرائيلية ، أو الإحتكام إلى مبدأ ( إكس ) الخاص بحل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية ، تجنباً لاستخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة ، وهذا ترفضه اثيوبيا . لهذا بدأت أصوات سياسية وعسكرية في مصر تنادي باللجوء إلى الحل العسكري لتدمير سد النهضة إذا لم يتم احترام المطالب المصرية ، والحفاظ على حصة مصر وليس تقليصها .
المؤلم ، ان السودان تتماشى مع التوجه الإثيوبي ، ولم تتخذ على الأقل موقفاً محايداً . كما ان الموقف العربي عامة ، موقف مُخزٍ ، لانه موقف غير مبالٍ ، ولا متابع أو مراقب ، على الأقل ، وهو يرى مصر الشقيقة في هكذا أزمة . إذا لم تحصل مصر على حصتها العادلة ، ستعطش ، وتجوع مصر الحبيبة ، والعرب يتفرجون ، ان لم يكن بعضهم يشمَتون ، أقولها وأنا أتقطع ألماً ، وقهراً .
في عهد الرئيس العروبي الراحل جمال عبدالناصر عليه رحمة الله ، كانت كل إفريقيا تدين بالولاء لمصر ، لا بل كانت تتبع إلى مصر ، وبعد انتهاء حقبته تراجع دور مصر في القارة الأفريقية ، إلى ان انحسر وتلاشى ، وتغلغلت اسرائيل لتوجيه السياسات الأفريقية ضد العرب عامة ومصر خاصة .
مصر الحبيبة ، ستعطش ، وتجوع ، والعرب بين غافل ، أو متغافل ، أو متابع برفاه ، أو شامِت . أإلى هذا الحد من الهوان وصلنا !!؟؟ أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض .. تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً / وإذا افترقنا تكسرت أحادا . فلننعم بسباتنا ، وغفلتنا ، وفرقتنا ، وتشتتنا ، وهواننا ، ونحن نُؤكل قطعة ، قطعة .