صراحة نيوز – موسى العدوان
في كتابه بعنوان ” في قلب العاصفة ” يقول جورج تنت مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق CIA عن سوء إدارة بلاده للعراق بعد الغزو الأمريكي إليها ما يلي وأقتبس : ” إن ما يطغى على المشكلة العامة لانعدام الاستقرار في الشرق الأوسط هو التحدي النوعي للحرب في العراق. وسيستمر النقاش حول الحكمة من دخولنا تلك الحرب عدة سنوات قادمة.
لكن ما من شك في أنه جرى التمهيد للطريق المشكوك فيه، المؤدي إلى الحرب عبر الأداء المعيب لأجهزة الاستخبارات الأمريكية، التي كنت أرأسها. فقد تبين أن جوهر أحكامنا المتعلقة ببرامج أسلحة الدمار الشامل العراقية كان خاطئا. خاطئا لمئات من الأسباب المختلفة التي ترجع إلى صميم ما نسميه ( تقنيات التجسس ) بأفضل الممارسات، في جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها. ولا ينبغي أن نجد عزاء في معرفة أن أجهزة الاستخبارات الأخرى، وقعت في الأخطاء نفسها.
في قضية العراق، كان أداؤنا دون المستوى العالي لمعاييرنا. . . الأمر الذي لم أكن أعرفه حينها، هو مقدار سوء إدارة حكومتنا للعراق في أعقاب الغزو، والجهود الهادفة إلى تحقيق السلام. بعد ما أصبحت السي آي أيه على الأرض، قدمت تحذيرا واضحا من تنامي التمرد. لكن المشكلة في عدم الألتفات لتحذيراتنا. فقد مضت فترة طويلة كانت حكوماتنا فيها عاجزة أو غير راغبة للنظر في الحقائق الجديدة أو تغيير سياستها. ونتيجة لذلك ازداد التمرد المحلي سوءا كل يوم، وخرج الوضع السياسي والعسكري عن السيطرة. لقد اتبعنا سياسة بُنيت على الأمل بدلا من أن تُبنى على الحقائق.
ربما كان يجدر بي الضرب على الطاولة بمزيد من القوة. لكن دعوني أكون واضحا : أنا لست من الأشخاص الذبن يقولون الآن، بعد إدراك متأخر عالي الدقة، ” لو أنهم أصغوا إليّ، لما كنا وقعنا في هذه الورطة “. فأنا لم أعارض القرار الذي اتخذه الرئيس بغزو العراق، فمثل هذه القرارات تقع على عاتق صناع السياسة، وليس على عاتق المسؤولين في أجهزة الاستخبارات.
إن العبر المستخلصة من كابوسنا القومي في العراق كثيرة، وقد تعلمناها بطريقة مؤلمة. ولكني أقول : أن على القوة العظمى الوحيدة في العالم أن تدرك بأن هناك جبالا أعلى من أن تتمكن تسلقها، وأن القوة العسكرية بمفردها، لا يمكنها حل المشكلات السياسية والاجتماعية، المستوطنة في الدول الأخرى. علينا الدخول في الحروب التي نختارها فقط بعد تردد كبير، وبعد أن نكون صادقين تماما مع أنفسنا ومع العالم، بشأن الأساس المنطقي لمشروعنا في مثل هذه المهمات . . .
عندما دخلنا العراق، قمنا بالتخلص من هيمنة سنية، وتقديس للشخصية قائم على القبلية، وأيدنا زيادة نفوذ الشيعة بدون السماح لأي بديل سني بالظهور. قمنا بذلك دون استراتيجية سياسية شاملة، تضع في الحسبان الوصول إلى نتيجة تسمح بردع إيران واحتوائها، وبدون استراتيجية تبعد سوريا عن فلك التأثير الإيراني. من الناحية العملية، أبقينا سوريا وإيران في الفلك نفسه وأقصيناهما ورفضنا التباحث معهما، في القضايا التي تهم المنطقة. وبمرور الوقت، أصبح لدى كلا البلدين العزيمة على مقاومتنا. وبدلا من السعي إلى بناء إجماع إقليمي واسع لدعم أهدافنا في العراق، قمنا بعزل العراق عن بقية المنطقة، والأهم من ذلك أننا عزلنا الولايات المتحدة.
لقد تفاقمت المشكلات في عراق ما بعد صدام بسبب اعنقاد خاطئ، بأننا نستطيع فرض رؤيتنا للمستقبل على مجموعة متنوعة من الشعوب لديها حوافز وتوقعات شديدة التباين. وشعر بعض الأشخاص في حكومتنا، بأننا نستطيع أن نملي على الشعب العراقي رؤيتنا حيال إرادته المستقلة، وأننا نستطيع أن نوفر الشرعية لقادته السياسيين الجدد بالاستعانة بقوتنا العسكرية، لكنهم مخطئبن للأسف “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق :
1. ما يمز المسؤولين الأجانب عن المسؤولبن العرب، هو أن الأجانب يعترفون بأخطائهم، حتى وإن كانت تتعلق بسياسات دولهم. فها هو مدير أهم جهاز في الولايات المتحدة الأمريكية، يتحدث عن أخطاء قاتلة ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق بصراحة تامة، ولم نسمع أنه جرت مساءلته أو أيداعه للسجن، بتهمة الإساءة إلى سمعة الدولة أو الإقشاء بأسراها.
2. إن عدم الاستقرار وارتكاب جرائم القتل والفساد والتدمير، الذي يسود الساحة العراقية منذ أوائل هذا القرن، ما هو إلا نتيجة لأفعال الولايات المتحدة المشينة، إضافة لتواطؤ بعض الزعامات العربية في حينه، التي احجمت عن الوقوف إلى جانب العراق، ومنع الوصول إلى هذه النتائج التي نحصد ثمارها المؤلمة هذه الأيام.
التاريخ : 8 / 12 / 2019