صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
إسمحوا لي ان اكتب في موضوع غير مألوف لكنه في صُلب الإنتماء للوطن . سمعت شخصية أردنية على إحدى المحطات التلفزيونية المحلية يقول مقولة راجت هذا الايام ، بمناسبة الانتخابات النيابية ، المقولة تقول : (( من لا ينتخب .. لا يحق له ان ينتقد )) ، والمقصود انه لا يحق له ان ينتقد اداء مجلس النواب .
أعتقد ان هذه المقولة ليست صحيحة الى حدٍ ما ، وقد يقول قائل ، لماذا !؟ أقول : لأن من لم يشارك في الانتخاب ، يكون له موقفاً رافضاً لقانون الإنتخاب ، الذي هو سبب البلاء ، والمصايب ، والتخلف ، وتفتيت اللُّحمة الوطنية ، وان هذا القانون المسخ ، بالتأكيد ، ومن التجربة ، انه لا يمكن ان يفرز نواباً بمستوى التمثيل الحقيقي للوطن والمواطن . وبما انه لم يَحدث تغييراً على المدخلات ، لذلك من المؤكد ان لا يَحدث تغييراً على المُخرجات ، وهذه حقيقة علمية .
وعليه ، فان من أحجم عن المشاركة في الانتخابات النيابية يعبر عن موقفٍ سياسي أساسي ، رئيسي ، وطني هام ، يطالب فيه بتغيير قانون الانتخاب كمدخلات ، ليصبح من المنطق ان يتوقع تغيراً في المخرجات . لذلك يحق لمن لا ينتخب ان يستمر في رفضه للمجلس وانتقاده لأدائه ليخلق حالة وطنية لرفض القانون ، الذي لا يفيد فيه التعديل ، بل يستوجب التغيير بشكل كامل ، والإتيان بقانون حضاري ، يرتقي بنوعية اعضاء مجلس النواب ، ليكون ادائه بمستوى المأمول وطنياً . وعليه لو كان هناك نية حقيقية للإصلاح الشامل ، سيشكل مجلس النواب نواة حقيقية للاصلاح الذي يقود الى حكومات برلمانية .
ومن ملاحظاتي ، ومتابعاتي ، للانتخابات النيابية منذ ثلاثة عقود ، بعد عودة الحياة بديموقراطية عرجاء او منقوصة او زائفة او شكلية ، وانا ارى ان الكثير من الناس ينتقدون قانون الانتخاب ، وينتقدون بشكل أشد اداء مجلس النواب ، ومع ذلك يكررون المشاركة في الانتخابات . أرى ان أدائهم الوطني سلبي ، وانهم يضرون بالوطن أفدح ضرر ، لانهم يكرسون بقاء هكذا قانون مشوه ، ليفرز نواباً غالبيتهم ليسوا بمستوى النيابة ومسؤولياتها الهامة تشريعياً ورقابياً ، وغالبية الاردنيين اطلقوا عليهم تسمية ( نواب الألو ) ، والأبلغ ، ما وصفهم به أحد النواب المخضرمين ، بانهم ( ليسوا أكثر من ديكور ) ، ونعلم خطورة التسمية ، وان القانون يفرز نواباً غالبيتهم ليسوا بمستوى النيابة ، عندما نعلم ان هذا النائب المخضرم حصيف ودقيق في توصيفه ، وعندما نعلم انه محامٍ ضليع ، ووزير عدلٍ سابق ، لا ينطق بكلام على عواهنه .
أرى ان المواطن يجب ان لا يُجامل في مواطنته ، وان لا يغض الطرف ويسكت عن شيء نتاجه ضرر حتمي على وطنه الذي ينتمي اليه ويحبه . وعليه ان يعي بان هناك واجباً وطنياً يحفزه للتأشير على مواطن الخلل في وطنه ، وان ينبه اليها ، ويظهر المساويء والأضرار التي تنعكس على وطنه الذي يحب . ولا اعتقد انه يَخفى على اي مواطن اردني ان مجالس النواب المتعاقبة منذ عام ١٩٩٣ قد ساهمت مساهمة كبرى في انحدار الوطن وانتشار الفساد ، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة الوطنية ، وتمركز الأنانية ، وعدم الالتزام بالقيم النبيلة التي كانت من سمات الشخصية الاردنية . ببساطة ، الا تتفقون معي بان غالبية من يسعون للنيابة غاياتهم تحصيل منافع شخصية ، وقلة قليلة هدفها ان تؤدي رسالة !؟
وقد يقول قائل : شارك وانتخب من أجلِ ان تُغِّير ، أقول له بان آلية قانون الإنتخاب وضِعت عن قصد لإنجاح الغَثّْ وإبعاد السَمين . وعليه ، وبحيادية مطلقة أطرح سؤالاً : هل ما تفرزه الانتخابات النيابية عينة ممثلة تمثيلاً حقيقياً وتتناسب مع قيم واخلاق وكفاءات الشعب الأردني !؟ أرى ان الفرق بين من لا ينتخب ، ومن ينتخب وينتقد لاحقاً ، ان من لم ينتخب رفضه كلي للعملية الانتخابية وافرازاتها التي يتوقعها ، ومن ينتخب وينتقد لاحقاً رفضه جزئي لانه موافق على العملية الانتخابية لكنه يرفض بعض او اغلب افرازاتها ، لكن حب الوطن يجمع الطرفين من لم ينتخب ومن ينتخب .
إلقاء اللوم على من لا ينتخب وحرمانه من النقد يذكرني بمسرحية إسمها (( Waiting for Godot )) للكاتب الأمريكي الشهير / صموئيل بكيت Samuel Beckett ، وهذه المسرحية متفردة في الأدب الانجليزي من ناحيتي العنوان والمضمون ، وتشتمل على مقولة (( There’s man all over for you, blaming on his boots the faults of his feet )) وملخص المعنى : (( كمن يلوم الحذاء بينما المشكلة في تشوه رِجله )) . راجياً من القراء الكرام اعتبار موضوع هذا المقال مجرد وجهة نظر ربما غرابتها تجعلها خارجة عن المألوف .
رأيي المتواضع ، انه علينا ان نؤشر على مكامن الخلل ، ونطالب بتصحيح المسار ، لتجنيب وطننا الحبيب الدمار الذي هو سائر اليه . لان المصلحة الوطنية تقتضي الوضوح ، والصراحة ، وتعزيز الانتماء الايجابي الفاعل ، وان لا نعتبر ان انتمائنا يتعزز ، وحبنا للوطن يتأكد عندما نساير ونجامل ونسكت عما يضر بوطننا . اذا كان على مستوى تعامل الانسان ، يقول المثل (( صَديقُكَ من صَدقَكْ ، لا من صَدَّقَكْ ))، فكيف يكون الحال على مستوى الاوطان !؟ وأختمُ ببيتينِ من الشِعرِ : –
فإما ان تكون أخي بِصدقٍ / فأعرفُ منك غَثِّي من سَمِيني .
وإلاّ فاطّرَحني وإتَخِذْنِي / عَدُوّاً أَتَقِيكَ وتَتَقِينِي .