صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
الأوطان تخضع للحقيقة التاريخية المطلقة ، بانها تمر في حالات ازدهار وانكسار وتراجع وهوان . وعلى ما يبدو ان وطني الحبيب يعيش المرحلة الثانية وقد انحدر اليها ، وها هو يهوي أمامنا ، وما من مُنقذ ، ولا ردات فعل الا الزفرات والحسرات ، من بعض الشرفاء ، الذين عددهم بانحسار شديد ، في ظل غياب الرأي السديد والانغماس في المصلحة الذاتية والمنافع الشخصية ، حيث وصل الوطن الى ما يشبه ( جورَعة البيدر ) ، وهذا المصطلح لا يعرفة الا ابناء الحراثين الشرفاء ، اما الطارئين النهابين جماعة الكورنفليكس ، فهذا بالنسبة لهم تخلف وهُراء ، ويؤكد لهم ما ينعتوننا به باننا جهلة ومتخلفين .
جلست وحيداً ، متحسراً ، وانا اتفكر في كل ما يدور على ساحة وطني الحبيب . حتى شعرت ان زفراتي وحسراتي تكاد تخطف انفاسي ، وكنت قد استمعت لبعض اشعار صديق عمري ، رقيق المعاني الشاعر / عوني شعث ، وهربت منه لنبرة صوته الشجي الحزين وهو يستجدي الوطن ان يحِن عليه ، لكن هروبي كمن يهرب من الرمضاء للنار ، حيث قادني حتفي الى الاطلاع على أحد ( البوستات ) التي يكتبها يومياً المتألق ، المتألم العميد المتقاعد صديقي العزيز المهندس / خالد نايف المعايطه ، الذي نتناجى انا واياه كثيراً بهموم وطننا الذي نُحب ، وغالباً ما تنتهي حواراتنا الى زفرات واحياناً دُميعات تلتصق بالاحداق وتأبى النزول أنفة وعزة وكبرياءاً ظاهرياً ، لكن تهالكاً ورعباً ترتعد له فرائصنا خوفاً على حبيبنا الأوحد الاردن . وقادني قدري المتآكلة قدراته الى ( بوست ) مناجاة ، وتحفيز ، واستدعاء للهمة كتبه صديقي ونسيبي اللواء المتقاعد الباشا / عدنان الشمايله ، اللطيف ، اللبق ، الودود ، المعطاء في تعامله الفردي ، الخشن الحقود وهو عن وطنه يذود الذي يعشقه حدّ الهيام . والنتيجة ان لعب ثلاثتهم باعصابي وزادوا حبي ورعبي على وطني .
أرى انه من الضروري ان اورد بعض ما يدور على ساحة الوطن ويزيد من خوف الاحرار عليه : –
أولاً :-ما يدور من تصريحات مرعبة تطال استمرار مصفاة البترول الاردنية وان هناك استهدافاً حكومياً لبيعها او تصفيتها ، وبعد اكثر من اسبوع على الصمت الحكومي بعد القنبلة التي فجرتها وزيرة الطاقة ، خرجت بتصريح زاد الشكوك بدل التوضيح ، حيث قالت : ان المصفاة يمتلكها مواطنون اردنيون وليس للحكومة شأن بها ولا يمكنها ان تتصرف بها ، لكن ما خفي من التصريح كان اعظم ، فالمصفاة تطالب الحكومة باكثر من ( ٥٠٠ ) مليون دينار ديوناً على الدولة ، وتهددها دوماً بانتهاء حصرية نشاطها ، والاخطر انها تطعنها في مقتل عندما تقول ان منتجاتها تلوث البيئة ولا ترقى لمستوى المنتجات العالمية ، وهي تقصد الترويج للمشتقات النفطية المستوردة ، وكانها تنتقم من المصفاة في نجاحها بكشف محاولة تشوية منتجاتها قبل حوالي العام من المستوردين للمشتقات النفطية ، والأخطر ربما ما يُشاع من ان جهة ما تنوي إنشاء مصفاة عملاقة في منطقة العقبة خُطط لها ان تكفي احتياجات السوق المحلي والتصدير كذلك ، وإقامة ذلك المشروع تقتضي إنهاء المصفاة .
ثانياً :- ما تم تداوله عن المفاعل النووي ، ومرور ما يقارب العشرة اعوام دون تحقيق اي انجازات ، رغم صرف اكثر من ( ١٢٠ ) مليون دينار هذا غير كُلف الهيئة التي تقدر بعشرات الملايين . اما فنيات موضوع الطاقة فانني أركُن واثق بالمتخصص بانشاء المفاعلات للغايات السلمية السيد / صالح فهد مقبول الغبين ، الاردني المتجنس بالجنسية الامريكية ، والذي أشرف على انشاء ( ١٢ ) مفاعلاً سلمياً في امريكا ، والذي بينه وبين رئيس هيئة الطاقة ما صنع الحداد ، لانه نبه الى امور فنية من واقع خبراته العملية .
ثالثاً :- الثقة التي تحصلت عليها الحكومة ونسبتها العالية حيث حصلت على ( ٨٨ ) صوتاً – واثناء التهنئة لم تتم مراعاة تعليمات الجائحة لانهم فوق القانون – وهو مقارب جداً لما تنبأتُ به ، في مقال سابق عن خطط الحكومة في تزوير وتوجيه الانتخابات وتوقعتها ب ( ٨٥ ) صوتاً مضمونة للحكومة . هذا علاوة على تمرير مذكرات التعيينات المُعيبة . وها هم الان يناقشون موازنة هزيلة ضعيفة ، حتى احتراف ( الشِحده ) والتزلف للغرب لن يُنقذها ، مما يؤكد قناعتي كما قناعة الاردنيين بان الاردن ممنوع من استغلال خيراته ليبقى في عوز لان تصفية القضية الفلسطينية ستكون على حساب وجوده ككيان .
رابعاً :- البطالة والفقر :- وهذا الموضوع بامكان اي اردني ان يكتب عنه مُجلداً لا مقالاً من تعقيداته وخفاياه .
خامساً :- تكرار حوادث القتل الاجرامية التي لم يعهدها المجتمع الاردني والغريبة عليه ، والتي هي نتاج تردي الاوضاع الاقتصادية .
سادساً :- احتراف سوء الادارة ، والتملق وعدم الاكتراث باداء المسؤوليات ، وانتشار عبارة ( حاضر سيدي .. كله تمام ) على مستوى رؤساء الاقسام الى أعلى المستويات في الدولة الاردنية . فلا متابعة ، ولا انجاز ولا اداءاً محترماً . وهذه الحالة لم تأتِ بين يومٍ وليلة ، وانما تراكمات بدأت من عدم احترام المعلم ، وعوزه وفقره ، الى التعيينات حسب الواسطة وليس الكفاءة ، وتمركز الشللية ، فاغلب التعيينات في الوظائف القيادية تتم في جلسات شُرب عصير التفاح ، او اثناء صُبحيات الستات .
سابعاً :- كُثر الاشاعات التي تتأتى نتيجة غياب المعلومات وانتفاء الشفافية والمصداقية ، وعِظم الاستهداف الخارجي ، خاصة الصهيوني ، حيث انشأ العدو عشرات المواقع الالكترونية ، التي تنفث سمومها في الاجواء الاردنية .
ثامناً :- استمرار غول الفساد في الاتفاقيات الدولية ، مثل الكثير الذي يُقال عن استغلال الصخر الزيتي ، واتفاقية الغاز الفلسطيني المنهوب وتوقيع الاتفاقية مع شركة صورية لتجنب التوقيع مع العدو ، مع ان رائحتها تزكم انوف كل الشرفاء .
تاسعاً :- تنامي حاجز عدم المصداقية والثقة بين الجهاز الحكومي والمواطن ، وهذا له اسبابه ، حيث ان الحكومات الاردنية تهتم بفبركة المعلومة اكثر من وصول المعلومة الصحيحة حتى في ابسط الامور واصغرها ، لدرجة انها نشرت صورة لاحد اقاربي على اساس انه من جرش وانه تم تصويره اثناء اخذه لقاح الكورونا ، وقريبي يعيش في عمان ، ولم يأخذ اللقاح ، اليس هذا عيباً ، ووسيلة رخيصة لتشجيع الناس على اخذ اللقاح !؟
ما سردته اعلاه ، قليل من كثير من اعتلالات الوطن التي يرزح تحتها وما من مُجيب ولا مُنقذ . وطني ينهار في وضح النهار ، سنبكيه يوماً وسنندم في وقت لن ينفع فيه الندم . كلنا مقصرون ، مع اننا كلنا خائفون مرتجفون عليه . هل يأتي يوماً ونحمل فيه مفاتيح الدار كتذكار كما فعل اشقاؤنا الفلسطينيون !؟ لكن قد يُسعفنا انه لا مُلتجأ لنا ، واننا سنموت في بيوتنا صامدون كأشجار النخيل التي تموت واقفة مُنتصبة تتحدى الموت . وأختم بقولٍ مأثور مُقتبس : (( عندما تتعرى الجذور ، وتنكشف الأصول ، وتهتز الثوابت ، يكون الإنهيار على يد عابثٍ بأقل جُهد )).