ألحَقُّ يَعلو .. لكن أصبح .. يُعلى عليه

10 فبراير 2021
ألحَقُّ يَعلو .. لكن أصبح .. يُعلى عليه

صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه

الحق يعلو ، ولا يعلى عليه ، هذا صحيح ، لكن متى ؟؟ كانت هذه قاعدة صحيحة في زمان غير زماننا ، وعصر غير عصرنا ، زمان الخير ، زمان العدالة ، زمان كان الحق فيه أبلج ، كان يسمو ، ويعلو ، لانه لا يُسمح للظلم ، والغطرسة ، والفساد ، والتجبر ، وغياب العدالة ، لا يُسمح لكل فعل بعيد عن الصواب ان يعلو على الحق ، لان صوت الحق كان هو الأقوى ، والأجدى ، والأولى بالإتباع . أما في عصرنا الحالي ، عصر إنحراف ميزان العدالة ، عصر الطغيان ، عصر السطوة فيه للقوي المتجبر ، فقد غابت العدالة ، وإنحسر العدل وتراجع لا بل كاد ان يختفي . طبعاً المشكلة ليست في الزمن ، المشكلة في الانسان الذي يعيش في هذا الزمان .

يا إلهي كم تغيرنا ، كم انحدرنا ، كم تخلينا عن قيمنا ، كم تراجعنا عن نُبلنا !؟ أصبح السقوط رِفعة ، والسرقة بركة يد ، والرشوة إكرامية ، والكذب مِلح الرجال وعيب على من يصدق ، والمراوغة شطارة ، والتجني على الغير فهلوة .

نحن نمُر في مرحلة انحطاط اخلاقي وقيمي وسلوكي . وعندما تصل الاوطان الى هكذا انحدار فان مصيرها الدمار . لانه من المستحيل ان تزدهر الاوطان ، وتنمو ، وتنتعش ، وتتطور ، وترتقي في ظل الانحدار القيمي . التمسك بالقيم هو الذي يرفع قدر الاوطان . وهناك قاعدة اخلاقية تقول : السمو والرِفعة في القيم نتاجها دوماً النماء والازدهار ، والتخلي عن القيم النبيلة نتاجه الانحدار والضياع .

في وطني الحبيب – مع كل الأسف والحُزن والقهر – الحق لا يعلو ، بل يُعلى عليه . إنحسر الحق ، وتراجع ، لا بل اندحر ، لا بل غاب ، أمام سطوة الانحلال الاخلاقي والقيمي والديني . ها هو الباطل ، يُطل عليك من كل زاوية من زوايا الوطن مترعرعاً ، مزدهراً ، منتشراً ، مستحوذاً على ساحة الوطن . أما الحق فقد ضعف حد الوهن ، فانكمش ، في بعض الزوايا الضيقة مُستجيراً بِرَجُلِ قِيمٍ واخلاق ودين هنا او هناك متناثرين ليس لديهم القدرة على الظهور والتأثير ، وهم يعملون بأضعف الإيمان .

غياب الحق ، وانتفاء العدلة ، وتراجع القيم النبيلة هزّ اركان المجتمع ، فإنحدر الوطن ، لانه ليس من المنطق ، لا بل من الجنون ان يُتوقع ازدهاراً للوطن يتزامن مع انحدار قيم المجتمع . غياب العدالة من الطبيعي ان ينتج عنه الفساد ، والمحسوبية ، والواسطة ، والتزلف ، والتملق ، والكذب ، والمحاباة ، وفيها يكمن دمار الأوطان . وهل يمكن ان يصِح وطن ويزدهر وكل هذه الامراض الاجتماعية منتشرة ومزدهرة فيه !!؟؟

وطني الذي كان متميزاً ويشار له بالبنان لم يعد فيه الحق يعلو ، وغابت فيه العدالة ، وحَرف الفاسدون الساقطون اخلاقياً الوطن عن مساره ، والمواطن يئن ، ويتهمه الفاسدون بانه مصدر دمار الوطن . المواطن لو ضمن حصوله على حقه ، هل يبحث عن الواسطة !؟

((الحق يعلو ولا يعلى عليه ))مباديء وقواعد قيمية انقلبت او اندثرت او اضمحلت
يجب ان يعلم كل مسؤول ان الفاسدين من المسؤولين هم مسؤولون عن انتشار الواسطة لغياب العدالة . ولو ساد العدل وعمت المساواة لما اضطر احد للجوء للواسطة لإنصافه واعادة جزء من حقه المسلوب .. وعليه فانتشار الواسطة استثناء وليست من طباع الاردنيين وانما لجأوا اليها لمحاولة استرجاع بعض حقوقهم المسلوبة من الطبقة الفاسدة .

إحذروا ثورة الجياع ، المعوزين ، الفقراء ، المعطلين عن الانتاج والعمل . إحذروهم ، فانهم يعلمون تمام العلم ، لا بل انهم متاكدون بان الطبقة الفاسدة هي من سلب رزقهم وبأن غياب الحق ، واختلال ميزان العدالة ونهب الوطن وممتلكاته ، هي اسباب فقرهم . هم يعلمون ان طلاباً جامعيون ليس لديهم ما يميزهم عن اقرانهم ، يتحصلون على ارقى الوظائف ، واعلى الرواتب ، وافخر المزايا ، تحصلوا عليها بسبب الفساد ، والمحسوبية ، والواسطة ، وبأنهم يتوارثون مواقع آبائهم او حتى أجدادهم ، وهم معطلون عن العمل يستجدون عملاً متواضعاً يسدون به الرمق ، ويبحثون فيه عن الستر ، ويخففون فيه جرعات القهر . وأختم بنصيحة هامة وخطيرة بحجم وطن ، وقهر مواطنيه ، تقول : (( لا تحسبن الصمت نسيان ، فالجبل صامت لكن بداخله بركان )) .

الاخبار العاجلة