صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات
بكبرياء الأب الحاني الفخور بفلذة كبده ، وبكل ثقة بالنفس رغم الفجيعة التي ما زال يحملها في قلبه ، نقل والد الشهيد الملازم أول الطيار معاذ صافي يوسف الكساسبة، رسالة الشهيد الذي احرق من أجل بلده ليعيش حرا عزيزا كريما ، ولينعم الأردنيون بالأمن والأمان وبالرفاهية ، وأن يكونوا أكثر حرقة وغيرة على بلدهم ،وأن يبذلوا الغالي والنفيس من أجل المحافظة عليه.
وقف الأب بتقاسيمه الأردنية الصلبة وعلى جبهته ترتسم كشرة الأردني بشموخه وكبريائه ، وعنفوان الكركي وغيرته على بلده، وشهامة أبناء عي، وقف والد شهيد الأردن أمام الملك في احتفالية المئوية بمناسبة عيد الجلوس الملكي ويوم الجيش وذكرى الثورة العربية الكبرى، مذكرا برسالة معاذ التي تناسوها، ويعيدها أمام الجميع ،بأن معاذ كان يؤمن بأن الأردن غالي علينا وأن من واجبنا حمايته ، وعلينا الحفاظ عليه .. ولأجله أحرق معاذ .
كان من الصعب على والد الشهيد أن يصف شعوره أثناء وقوفه في حفل التكريم ، لأن معاذ قدم دمه الغالي من أجل الوطن ، شريط من الذكريات مر عليه اختلط فيه الفرح بالحزن ، حدثني الأب المكلوب قائلا : أتحدى أن يكون هناك من قدم أكثر مما قدمه معاذ للوطن ؟!!..
ويتابع بلهفة وألم : في كثير من المناسبات كنت أذكر بضرورة تكريم معاذ بطريقة تتناسب مع ما قدمه ، لكن لم أجد أي استجابة .. ولن نكرر الطلب لأن معاذ أكبر من التكرار ، وأن ما يجب أن يقدم له يجب أن يكون دون تذكير !!..
كان العتاب كبيرا ، عبر عنها الأب بكل تلقائية، وكل من شاهد الحفل يلمس ما رصدته الكاميرات من إيحاءات وتعابير وحركات الجسد مقدار هذا الجرح الذي ما زال غائرا ، فظهر على تقاسيم وجهه بكل عفوية مطلقة .
بعد مرور أكثر من ست سنوات وعلى الرغم من التكريم العفوي من الجماهير الأردنية لمعاذ البطل بعد حادثة حرقه ، الا ان هناك تقصيرا من الجهات الرسمية في تكريم شهيد الأردن الذي تفرد عن غيره بما قدمه وتميزه عن جميع شهادات العالم في تاريخ الإنسانية، إن والده لا يطلب الكثير، فكما حظي الشهيد الطيار فراس العجلوني بتكريم بإطلاق ميدان باسمه في جبل الحسين، وكذلك الشهيد الطيار موفق السلطي الذي أطلق اسمه على القاعدة الجوية في المفرق ، فإن الشهيد البطل معاذ يستحق أن يرتبط اسمه بأحد المعالم التاريخية لهذا الوطن، لأن اسمه محفور في القلوب ولم يحفر بعد على أي معلم عسكري أو حتى ميدان أو شارع في مركز الحكم بالعاصمة .
معاذ الذي ضحى بنفسه وحياته فداء للأردن ، لن يقلق مضجعه في جنات النعيم بطلب دنيوي، لأن معاذ أكبر من أي طلب شخصي وأكبر من كل اعطيات الدنيا ، فهو كبير بما قدمه حتى أصبح حجمه بحجم الوطن الذي يحتاج إلى تشابك الايدي وتضافر كل الجهود ليبقى قويا منيعا.. ويومها يبشر صافي الكساسبة ابنه و فلذة كبده الذي احرق لأجل الوطن ويقول له : إبشر يا معاذ أن الوطن محمي بزنود أبنائه وجيشه .
يستحق معاذ الذي قدم للوطن جسده أن يخلد اسمه في الذاكرة بمعلم أو قاعدة عسكرية تذكرنا بالدرس الذي قدمه للوطن، بحيث نرد له ولو جزءا من الجميل والوفاء لشهيد هو أفضل واكرم خلق الله وأعلاهم مكانة.. سلام الله على أرواح شهدائنا الأبرار الطاهرة…والمجد والخلود للشهداء