أشجار السرو الأميز في حياتي ، هي أشجار الأردنية الحبيبة ، تلك التي تفيأنا ظلالها وسرنا بمحاذاتها ، التي حفظت ذكرياتنا و شهدت نجاحاتنا تارة وانكساراتنا تارة أخرى، تلك الأشجار التي كانت تراقبنا ونحن نجتمع بكل من نحب وتسترق السمع لأفكارنا وتدعو لنا بتحقيق الآمال ، أشجار السرو التي كنا نستند إليها لحظات التعب ، عشقتها طالبة وأستمر عشقي لها محاضرة .
كنت أرقب هذه الأشجار من نافذة منزلي في السكن الوظيفي داخل الجامعة في بدايات جائحة “كورونا” وكانت وكأنها تخاطبني قائلة : سنتعافى و سيعج المكان بأصوات الطلبة التي أرقص لسماعها طربا ، كم أحببتك أيتها الأشجار! لكنني لم أشعر أبدا بهذه النعمة التي كانت أمام ناظري بصورة دائمة.
أشجار السرو في جامعتي هي رمز ثابت لكل ما هو في الجامعة ، الجامعة التي أنارت قلوبنا قبل أبصارنا وبصائرنا ، الكنز العظيم الذي أمدنا بالقيم والمعاني الرائعة بروعة أهلها وكل من فيها، جامعتي الأم وعند الوقوف في حضرتها للحديث عنها أجد اللسان عاجزا لكن القلب يصدر بنبضاته إيقاعا رقراقا منسابا كانسياب عاطفة العاشق المحب في أوردته وأجد الروح هي من تعانق كل مرافقها مستحضرة كل ذكرى لي فيها ، وأجد أن الهروب منها إليها هو أجمل الهروب وعندما أحاول أن ألملم شتات ذكرياتي أيام الدراسة في مراحلها المختلفة وتواجدي الحالي فيها كواحدة من أهلها ، أجد نفسي متعلقة بها تعلق المحب الذي لم ولن ينسى محبه وأجدني أهيم شوقا في ذلك الطريق الذي كان يقودني من كلية العلوم باتجاه برج ساعتها، الطريق الذي أحببته في العقد الخامس من العمر حبا ناضجا مدركا يفوق حب الصبا .
في هذه الأيام أحزن كثيرا عندما أتذكر أن الطلبة في الفصول الماضية لم تسنح لهم الفرصة أن يسيروا بين أشجار الجامعة الأم الحبيبة ولم يمارسوا حقهم في نيل العلم بصورة مباشرة و الأهم من ذلك لم يخّزنوا في ذاكرتهم ما تشاركته وغيري من ذكريات مع الصحب والشجر والحجر ، هي ليست خسارة علمية وتعليمية فقط بل هي خسارات لتجارب وعلاقات وخبرات لن يكتسبوها طالما كانوا بعيدين عن المكان، أكتب بقلم مداده حبر الوفاء والاخلاص وكلي أمل أن نسعى جاهدين حكومة ومواطنين في تحقيق فرصة الدراسة المباشرة و ندعو الله آملين العودة الآمنة لنتشارك جميعا أجمل اللحظات وأفيدها.