بالعودة إلى تاريخ الأردن قبل ما يقارب المائة عام، أورد الدكتور عبد الله العساف في كتابه ( ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية 1923) القصة التالية، والتي أعيد نشرها هنا، لتذكير الجيل الجديد بتاريخ أحد الرموز العشائرية، كي يأخذوا منه العبرة ويسطّروا صفحات مماثلة في الوطنية وعزة النفس، وأقتبس:
” تشير الرواية المحلية هنا إلى أن الشيخ سلطان العدوان، بصفته ممثل البلقاء عامة والعدوان خاصة، لم يرحب بالثورة العربية، ولم ينضم إليها، بل وقف منها موقف المحايد. فلم يحارب إلى جانب الأتراك، كما أنه في المقابل لم يحارب إلى جانب الأشراف، وكان يمنع عرب البلقاء من التحرش بالجيش التركي أثناء انسحابه من المنطقة، لأن دولة الأتراك في رأيه دولة إسلامية ولا يجوز محاربتها.
وكما أن الشيخ سلطان العدوان وولده الشيخ ماجد ذهبا برفقة أربعة عشر خيالا من شيوخ البلقاء وقابلوا الأمير فيصل بن الحسين ( في الأزرق ) بعد انسحاب الأتراك من المنطقة، إلا أن مقابلتهم له جاءت متأخرة، على عكس القبائل الأخرى، التي سارعت إلى مقابلته والترحيب به منذ دخوله حدود بلاد الشام في شوال 1335هـ / تموز 1917م . . .
وتشير الرواية المحلية إلى أن الأمير فيصل جاء محملا بصناديق من الذهب الإنجليزي، وقام بتوزيعها على شيوخ القبائل، ليكسب ولاءهم. وأراد أن يعطي شيوخ العدوان الذين جاءوا للسلام عليه وتأخروا في مقابلته مالا. فقال الأمير فيصل للشيخ سلطان : ” الآن تأتي يا ابن عدوان ؟ ” فقال الشيخ سلطان مخاطبا إياه : ” كان عندي ضيف مسلم ( قصد من تركيا )، ولما انتهت زيارته وعاد لبلاده تصحبه السلامة صار يحق لي الآن أن أقابلك “.
فأحضر رجال العدوان عدة شياه، وكان الشيخ سلطان قد أمر بذبحها وإعداد طعام الغداء لفيصل. فعرض فيصل أكياسا من الذهب على الشيخ سلطان العدوان، وقال للشيخ سلطان : ” هذه لك منا “. فانزعج الشيخ سلطان وقال له : ” نحن لسنا شحادين، ولسنا بحاجة “، فقال فيصل : “هذه أعطيها لربعك “. فقال الشيخ سلطان : ” المحتاج نحن نعطيه “، ورفض أخذها وتوزيعها على ربعه “. انتهى الاقتباس.
* * * التعليق : هذه هي المواقف الوطنية للرجال الصادقين، أصحاب النفوس العالية، الذين لا تغريهم المادة على حساب الكرامة، بل إنهم يحافظون على مبادئهم وعزة نفوسهم، يخاصمون بشرف ويصالحون بشرف، ويسعون لرفعة بلادهم بكل جرأة وصراحة، وهذا ما أكسبهم ثقة أتباعهم واحترام الآخرين لهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الآونة هو : ماذا سيكتب التاريخ عن معظم من يُسمون زعماء اليوم، غير صفحات سوداء من النفاق، والتقاط الأعطيات الهزيلة، والتفريط بحقوق الوطن ؟ وشكرا لمن أحيا تاريخ الشرفاء . . !