الأراضي الأردنية في السودان… الى اين؟

24 أبريل 2017
الأراضي الأردنية في السودان… الى اين؟

راجت مؤخرا مقالات تتحدث عن المشروع الزراعي الاردني في السودان، على اعتبار ان المشروع هو احدى ثمار التعاون الاردني السوداني، التي تهدف الى إقامة مشاريع إنتاجية نباتية وحيوانية من اجل تلبية احتياجات السوق الاردني اعتبارا من عام 2010.

ذكرني ذلك باني كنت عضوا بفريق استشاري شكلته الحكومة الاردنية في ربيع 2006 أي قبل اكثر من عشرة سنوات، بهدف زيارة مواقع المشروع في شمال السودان وتقديم تقرير نهائي لدولة معروف البخيت، من اجل إتخاذ القرار المناسب للبدء فيه، وخاصة ان طبيعة المشروع ستكون مشروعا استثماريا للقطاع الخاص الاردني وادارته ستكون من خلال شركة مساهمة.

الأردن من أوائل الدول التي حازت على أراضي للاستثمار الزراعي في شمال الشقيقة السودان. فالموقع الاول مساحته حوالي 38 الف دونم يستغل من قبل القوات المسلحة الاردنية بهدف إنتاج زراعي يغطي جزء من احتياجات القوات المسلحة وكان ذلك بناء على اتفاقية عقدت عام 1999، وسمي مشروع البشائر. هذا المشروع لا زال قائما رغم الكثير من العثرات الإدارية والاقتصادية التي مر بها.

اما المشروع الزراعي الأكبر والذي غالبا ما يتم الحديث عنه تبلغ مساحته حوالي 250 الف دونم ويقع بالقرب من مشروع البشائر على الضفة الشرقية لنهر النيل وجنوب بلدتي الدامر وعطبرة. نتحدث عن مساحة تقارب مساحة وادي الاردن، وتبعد اقرب مسافة له عن مجرى النيل بحوالي 2 كم فقط. وتنقسم هذه المساحة الى موقعين (الشمالي والجنوبي). وتعتبر هذه الاراضي اردنية في السودان على مدى 70 عاما من توقيع الاتفاقية بعام 1997.

زرنا الموقع بعد الاطلاع على جميع الوثائق الخاصة بالدراسة الفنية والاقتصادية، التي قامت بها المنظمة العربية للتنمية الزراعية ومولتها منحة البنك الاسلامي للتنمية بقيمة 400 الف دولار. توصلت الدراسة في حينها الى ان تكلفة البنية التحتية والانتاج تقدر بحوالي 152 مليون دولار.

اجتمعنا مع المختصين الزراعيين في المنطقة ومع والي الولاية ومندوبين لبعض الدول وخاصة العربية منها التي تستثمر في السودان، وذلك من اجل معرفة جميع جوانب الاستثمار في السودان وخاصة ان الاردن ليس لديه الترف المالي لتمويل مثل هذه المشاريع.

ان الدول التي لا تملك مصادر المياه والاراضي الصالحة للزراعة ولديها وفرة من المال كما هو الحال في دول الخليج لا شك بان الاستثمار سيكون مجدي لهم، مع ان تكلفة نقل طن البرسيم الى الامارات مثلا وعبر ميناء بورتسودان على البحر الأحمر والذي يبعد حوالي 500 كم عن هذه المواقع الزراعية كانت تقدر بحوالي 200 دولار، وبطبيعة الحال كانت هذه التكاليف غير مجدية اقتصاديا للمستثمر الاردني لنقلها الى العقبة.

ونظرا لكون الاردن قد بدأ في حينه بالاستثمار في مشاريع زراعية تعتمد على المياه الجوفية في وادي عربة. فكانت التوصية الأهم في التقرير النهائي للاستشارة هو انه بسبب عدم توفر الجدوى الاقتصادية وعدم توفر البنية التحتية التي تكلف الحكومة الاردنية حوالي 152 مليون دولار، فالأولى ان يتم انفاق مثل هذه المبالغ على مشاريع زراعية في وادي عربة مع تخصيص جزء من الاراضي الاردنية في السودان المستأجرة (القريبة من نهر النيل وذات التربة الصالحة للزراعة) لإقامة مشاريع مجدية اقتصاديا، تحتاجها المنطقة العربية مثل انتاج البذور وغيرها.

ولو راجعنا ماذا تم خلال العشرة سنوات الماضية ، نجد بان الموضوع يتكرر في اجتماعات سنوية مع السفير السوادني في الاردن ومع قدوم كل وزير زراعة جديد. والطريف ان معظم وزراء الزراعة منذ توقيع الاتفاقية قد زاروا هذه المواقع التي تبعد عن الخرطوم حوالي 300 كم شمالا، ولا اعرف السبب مع ان جميع الدراسات والتوصيات متوفرة في وزارة الزراعة ورئاسة الوزراء منذ عام 2006، مع الاختلاف فقط في تكاليف ما ذكر عبر السنوات.

لا زلنا لا نرى أي قرار تم إتخاذه لا في المشروع الاردني السوداني ولا حتى في منطقة وادي عربة، مع ان مصادر التمويل العربية والخارجية متوفرة والتكاليف تتضاعف عبر السنين عما كنا نتحدث عنه عام 2006….فماذا ننتظر يا أصحاب القرار؟

د. ماجد فندي الزعبي / مستشار في الزراعة والبيئة

الاخبار العاجلة