صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمة
الإنسان مَدَنِيٌّ بطبعه ، لا يمكنه العيش منفرداً ، ولا يمكنه الاستغتاء عن الناس ، وعليه نشأت العلاقات والمصالح المتبادلة بين الناس ، وهذا التعامل بين البشر تحكمه أنظمة وقوانين ، وعادات وتقاليد وأعراف متفق عليها بالتوارث بين الأجيال ، هذا إضافة الى إختلاف قيم الأفراد وأخلاقهم وطباعهم وطرق تعاملهم مع الاخر ، وفي خضم هذا التعامل ، يظهر التفاوت بين الناس ، في إسلوب حياة الفرد ، وتعامله مع الآخرين ، عندها تظهر قيمة الفرد واحترامه وتقديره في مجتمعه الذي يعيش فيه .
القِيمَةُ القَيِّمَهْ والحقيقية للشخص بين الناس او في المجتمع الذي يعيش فيه ، تتمثل في اكتسابه الأهمية من قِيَمِهِ وتعامله وسلوكه الشخصي ، أي تكون ذاتية المنشأ ، لا مكتسبة من مركز او مال ، لماذا ؟؟ لأن القيمة الحقيقية للانسان هي القيمة المكتسبة من قيم ثابتة وغير متغيرة وغير متقلبة ، أما قيمة الانسان المكتسبة من مركز او مال متغيرة ومتقلبه وزائلة بزوال سبب الاكتساب ، أي يفقدها الانسان بين الناس بمجرد فقدانه المركز او المال ، وللدلالة على ذلك ، ترى ان شخصاً معيناً ، تزداد قيمته ، ويرتفع قدره وشأنه المجتمعي عندما يتسلم منصباً مرموقاً في المجتمع أكثر مما كان يحظى به قبل تسلمه المنصب المرموق ، فتجد الناس يحرصون على التعرف عليه ، والتقرب منه ، وإكرامه ، وتكريمه ، وكيل المديح له ، ويهدف الناس من ذلك تحقيق مصالحهم الخاصة والشخصية ، لكن عندما يفقد هذا الشخص المركز المرموق الذي كان يشغله ، تجد الناس يَنْفَضُّون من حوله ، وتذهب الهيبة المكتسبة من المركز ، ويعيش في صراع وعذاب وألم وعزلة ، ويسخط على المجتمع كله ، متبجحاً بما قدّم ، وبمن كانوا يتمنّون رضاه وإرضاءه ، هذا الصنف من الناس يكون قد ( كَبُرَ ) او إكتسب قيمته المجتمعية من المركز الذي شغله ، وعليه فان ما جذب الناس اليه هو المركز وليس قِيَمُهُ ومواصفاته الشخصية ، وبهذا يكون قد ( كَبُرَ ) بالكرسي او المنصب الذي شغله ، وهو غير دائم لا له ولا لغيره ، وهذا يذكرني بما لاحظته ايّام دراستي الجامعية في العراق العظيم في جامعة بغداد ، أيام رئيس الجمهورية المرحوم المهيب أحمد حسن البكر ، حيث كان كل مسؤول مطالب بان يضع لوحة على مكتبه ، مكتوب عليها ( لو دامت لغيرك ، ما آلت إليك ) .
أما النوع الاخر المتميز من الاشخاص ، الذين أكِنُ لهم من الاحترام أجزله ، على الصعيد الشخصي ، فهم الذين يكتسبون قيمتهم وقدرهم وشأنهم المجتمعي من أخلاقهم وقيمهم وحسن تعاملهم وثبات ورسوخ اسلوبهم الحياتي في تعاملهم مع الناس ، وهو ما يوصف بالإنجليزية ( built in ) ، أي انه ذاتي ، لا بل منتج ذاتي بالكامل ، فيقابل الناس ثباته بثبات تقييمهم وتقديرهم واحترامهم له .
لاحظوا معي الفرق القاتل بين النوعين ، ولاحظوا معي ان مقابل الهزيمة الداخلية هناك رسوخ وثبات وانتعاش مستمر على الصعيد النفسي والشخصي والمجتمعي .. ما أروع الشخص الذي يستمد قيمته وشأنه المجتمعي من قِيَمِهِ الشخصية .
كما يجب ان لا نغفل عن ان هناك أشخاصاً يُكْسِبون المركز الذي يشغلونه قيمةً فوق قيمته ، فيكبُر الكرسي بهم ، ولا يكبرون به ، وهؤلاء هم فئة متميزة راسخة القيم … هنيئاً لمن كان منهم .
الباروميتر المجتمعي حساس جداً ، لا يَخْدَعْ ، ولا يُخْدَعْ ، ولا يمكن المراهنة عليه بالتذاكي ومحاولات الاستقطاب الزائفة ، لانه في نهاية الأمر يُقَيِّمُكَ بما تستحق فعلياً ، بمن فيهم المنتفعون منك آنياً ، الانسان الأصيل بطبعه وقيمه وقيمته لا يتلون كالياسمينة البيضاء لون نقي وعطر فواح أينما حل وارتحل