صراحة نيوز – بقلم جميل النمري
هل سنجري الانتخابات النيابية هذا الصيف؟ سؤال الساعة الذي أسمعه تكرارا يدور بلا جواب. وحتى أمس كنت أقول إن صاحب القرار ليس مضطرا لأي قرار الآن. وأفترض أن الأمر ليس على طاولة النقاش بانتظار ما ستؤول إليه أزمة كورونا. لكن الوقت بدأ ينفذ الآن فالمجلس الحالي ينتهي دستوريا في 20 أيلول القادم والمدد القانونية من يوم الدعوة للانتخابات تصل إلى ثلاثة أشهر ونصف أي يجب أن تتم الدعوة للانتخابات خلال الأسبوعين القادمين، فما الذي سيحدث؟
من مطلع العام والحوار يدور حول السيناريوهات المحتملة وكنت استبعد احتمالين ترددا كثيرا وهما الحل المبكر من جهة أو تمديد المجلس لمدة عام ولم أكن أرى أي أساس موضوعي لهما. وبالفعل الحل المبكر لم يحدث لكن تأجيل الانتخابات عاد لسوق التداول مع أزمة كورونا. وبعد الانتكاسة الأخيرة وارتفاع عدد الإصابات أصبح المشهد أكثر ضبابية حتى أن أحدا لا يستطيع أن يوفر لصاحب القرار تصورا موثوقا لمسار الوباء في الأسابيع وحتى الأشهر المقبلة.
الإستراتيجية المعتمدة لن تتغير على الأرجح والتشدد الوقائي لن يستبدل بنظرية مناعة القطيع. ودرجة الانفتاح ستعتمد أولا بأول على تطور الوباء. والتوجه هو حاليا لفتح جميع القطاعات مع أخذ الاحتياطات اللازمة لكن في أي لحظة يمكن العودة إلى الإغلاق التام أو الجزئي إذا زادت أعداد الإصابات تماما كما فعلت الحكومة هذين اليومين بالإغلاق التام لمدة ثلاثة أيام. وحتى مع الانفتاح فالمرجح الاستمرار ومنع التجمعات الكبيرة والاختلاط المنفلت وإلى أمد غير محدد.
ضمن هكذا معطيات كيف يمكن إطلاق الحملات الانتخابية التي تقوم على جولات ميدانية ولقاءات ومهرجانات وأشكال الاختلاط غير المقيد؟ هل يمكن التفكير بوضع تعليمات تختصر الحملات على التواصل الإعلامي عن بعد؟ بعض الهيئات والخبراء المختصين في الشأن طرحوا موضوع الاقتصار على الحملات الاعلامية الالكترونية بل وحتى التصويت الإلكتروني، لكن أشك أن الدولة ستذهب إلى ذلك الحد فالأمر لا يحتمل “التجريب” وحسب علمنا حتى الساعة لم تجر انتخابات برلمانية الكترونية في اي بلد. وحسب وزير الشؤون السياسية م. موسى معايطة فالناس عندنا لا تنفك تشكك بالانتخابات حتى وهي تجري تحت أنوف المراقبين ورقيا من الألف للياء فكيف مع انتخابات إلكترونية؟
بالضرورة سيكون أمر الانتخابات على الطاولة خلال الأسبوعين المقبلين لكن الواقع كما قلنا لا يزكي أخذ قرار وقد يكون القرار الوحيد الآن الامتناع عن حلّ مجلس النواب بانتظار إنضاج تصور للمرحلة المقبلة. وهناك عامل آخر مستجد سيدخل في الحسبان هو المشهد العام لما بعد أو مع كورونا. فالجميع يؤكد أننا لن نعود إلى حياة ما قبل الوباء والكثير من الأمور ستتغير والتحديات الاقتصادية الاجتماعية والصحية ستطرح فلسفة جديدة للأداء العام ودور الدولة وسيصبح مطلوبا اقتران مفهوم دولة التكافل والإنتاج بسياسات جذرية جديدة فكيف ينسجم ذلك مع إعادة إنتاج مجلس نواب بالصيغة القديمة لا ترى فيه الأغلبية إلا عبئا على الدولة والمجتمع وليس عونا لهما؟!
رؤية جلالة الملك لبرلمان أقل عددا وكلفة وأكثر رشاقة وفعالية تفرض نفسها مجددا وأكثر من أي وقت مضى. فإذا وضعنا هذا مع الظروف الغامضة للشهور القادمة فالأمران معا يزكيان مشروع تأجيل الانتخابات لبضعة أشهر وربما عام فيكون الموقف قد استقر والرؤية اتضحت والعلم أعطى إضاءات أكثر دقة حول مسار الوباء والعلاجات واللقاحات المحتملة ويكون قد تم إنضاج تصور لمشروع الإصلاح النيابي المنسجم مع الإصلاح العام المتكيف مع مرحلة ما بعد كورونا.. وهذا اجتهادي ولكل مجتهد نصيب.