صراحة نيوز- بقلم موسى العدوان
بينما كان الزعيم الهندي جواهر لال نهرو يتنقل من سجن إلى سجن، بأوامر سجانيه البريطانيين خلال السنوات من 1930 – 1933، اختار نهرو أن يستثمر وقته في السجن بشيء ينفع القراء. فكتب لمحات من تاريخ العالم على شكل رسائل وجهها لابنته أنديرا، التي كان عمرها عشر سنوات. ولكن تلك الرسائل كانت في حقيقتها تخاطب القراء الكبار في العالم.
يقول نهرو وأقتبس : ” وظلت فكرة متابعة هذه الرسائل تدور بخلدي، ولكن الحياة المليئة بالنشاط السياسي منعت هذه الفكرة من الظهور إلى حيز الوجود، إلى أن أتاح لي السجن الفرصة التي أعوزتني فاغتنمتها. إن لحياة السجن فوائدها لأنها تهيء جوا من الراحة والعزلة. أما مساؤها فبينة واضحة. إن السجن يخلو من المكتبات أو المراجع التي يستعين بها السجين. وهذا يجعل الكتابة في أي موضوع وخصوصا موضوع التاريخ، عملا شاقا أقرب إلى الجنون. لقد وصلتني بعض الكتب ولكني لم أستطع الاحتفاظ بها.
فمنذ اثني عشر عاما حينما بدأت مع عدد كبير من المواطنين والمواطنات الحج إلى السجون، نمت عندي عادة كتابة الملاحظات حول الكتب التي أقرأها. وتكاثرت هذه الملاحظات وكانت أكبر عون لي يوم شرعت أكتب. وهناك من الكتب الأخرى ما استفدت منه فائدة جمّة، ولكني كنت في مسيس الحاجة إلى المراجع. ولهذا كان السياق يضطرب معي مرارا ، فأضطر إلى تجاوز فترات معينة من التاريخ. وهذه رسائل شخصية فيها من كلام القلوب ما كان موجها لابنتي فقط، ولا أدري ما الذي أفعله بهذه الأقسام فإن حذفها أمر صعب ولا يسعني إلا الإبقاء عليها.
والسكون يقود إلى التأمل ويثير الانفعالات النفسية، وأخشى أن تظهر هذه الانفعالات المتذبذبة في هذه الرسائل. وأعترف أن الأسلوب الذي عالجت به المواضيع، لم يكن بالأسلوب المثالي الذي يتوخاه المؤرخون ولا أدعي أنني مؤرخ. ومن الصعب أن يوفق المرء بين كتابة التاريخ، والكتابة إلى الصغار عن أمور تتعلق بحياة الكبار وآرائهم . . .
إن من الطرافة أن يراجع المرء قصة العالم بما يبرز فيها من الرجال والنساء العظام
والأعمال المجيدة. إن قراءة التاريخ أمر حسن، ولكن الأفضل منه أن يساهم المرء في صنع التاريخ. وإنكِ لتعلمين أن التاريخ يصنع في بلادنا اليوم. إن ماضي الهند عريق في القدم، حتى لكأنه يضيع في زوايا ذلك القدم. ففيه من الفترات الحزينة والتعيسة التي تجعلنا نشعر بالعار والبؤس. ولكنه على العموم ماض مجيد يدعونا إلى الفخر والغبطة “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق :
1. اليوم ونحن في الأردن . . نواجه شبه سجون قسرية في منازلنا بفعل فيروس كورونا، ما أحرانا بأن نستغل هذه المناسبة بعمل نافع، كالقراءة والكتابة، أو لم شمل العائلة، أو تفقد أوضاع المنازل، أو ممارسة الرياضة، أو تدريس الأطفال، بدلا من إضاعة الوقت في زيارات اجتماعية لا ضرورة لها، أو الجلوس في المقاهي حتى ساعة متأخرة من الليل، للعب الورق ( الشدّة ) وتدخين النرجيلة، في جو عابق بالدخان السام، الذيّ يؤذي النظر والرئتين، وعملت الحكومة خيرا في إغلاقها – فربّ ضارّة نافعة – يقدمها فيروس كورونا العالمي الشهير.
2. لقد قال أحد الأدباء حزينا . . عندما شاهد جموع الشباب تملأ المقاهي في الأحوال العادية : أتمنى من هؤلاء الشباب أن يبيعوني أوقاتهم، لأنني لا أجد لدي الوقت الكافي للكتابة.
3. أما في سجون السلطة، فلا نريد مكتبات للقراءة استغلالا للوقت خاصة لسجناء الرأي، كما فعل المستعمرون البريطانيون في الهند خلال ثلاثينات القرن الماضي. بل نريد معاملة السجناء غير المحترفين بما يتفق مع حقوق الإنسان، وأن يكون لديهم متسعا للعيش والرقابة الصحية في مهاجعهم وزنازينهم بعيدا عن الاكتظاظ، الذي يسبب انتشار الأوبئة والأمراض.
4. ومن ناحية أخرى يمكن استغلال الطاقات الفنية لبعض السجناء، في مهن حرفية داخل حدود السجن، وزراعية تحت السيطرة تغير وجه الصحراء، وتعود بالفائدة عليهم وعلى المجتمع.
التاريخ : 20 / 3 / 2020