صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات
منذ أحداث ” عنجرة ” ، والجميع مهتم بمتابعة حيثيات القضية ، وتحليل أبعادها ، والوقوف عند أسبابها، ومتابعتها في نشرات الأخبار والبرامج التلفزيونية، والاذاعية الحوارية ، وما ينشر عبر المواقع الالكترونية ، إلا أن جميع ما تم تداوله عن الحادثة ظل ” رواية ناقصة “، لأنها التزمت بالرواية الأمنية بعيدا عن رواية شهود العيان( الشعبية) ، التي استمعنا اليها من خلال محطة تلفزيونية خاصة ” الأردن الآن ” فقط ، والتي راعت المهنية والحيادية وطرح الرأي والرأي الآخر، من طرفي الحادثة ، إلى جانب تسجيلات مسربة سجلها “المواطن الصحفي” .
ستبقى الرواية ناقصة، وعاجزة عن بيان ملابسات الحادث ، حتى بعد تشكيل اللجنة الحكومية؛ لغياب تحقيق متوازن يراعي طرفي المشكلة ، وجميع الاطراف ،لتسجل بذلك الحكومة الحالية الرقم القياسي في تشكيل اللجان ، التي أغلب نتائجها( إن توصلت لنتائج ) لا يطلع عليها المواطن .
حادثة عنجرة أكدت أن الثقة مفقودة، بل معدومة بين المواطن والحكومة ،وإلا لما تَسلح المواطن بذراعه ليحفظ حقه ، بعد أن فقد الشعور بالأمان ،وتملكه الشعور بالظلم ، وفقد الأمل في محاربة الفساد، والقضاء على الواسطة والمحسوبية ، ولم يعد القضاء عادلا ، وتلاشت فرصه بالحصول على وظيفة تخلصه من البطالة ، حتى وصلنا إلى نقطة عدم احترام القانون سواء من قبل المواطن أو من منتسبي أجهزة الدولة المختلفة .
لواستعرضنا العلاقة غير المتوازنة بين المواطن وأجهزة الدولة، فعن أي ضبط نفس نتحدث؟! وخاصة عندما يصل المواطن (المدني أوالعسكري)،إلى مرحلة من القهر والغل، فلا رجل الأمن يشعر بالرضا ، ولا المواطن يشعر بالرضا ، حتى بات كل طرف متأهبا تجاه الآخر ، رغم أن الأثنين لم يسببا القهر لبعضهما بعضا ، إلا ان عجزهما في مواجهة المسبب الرئيس لمعاناتهما ، والمتمثل في القرارات الجائرة التي اتخذتها الحكومات المتلاحقة بفرض مزيد من الضرائب ، ورفع الأسعار غير المبرر، إلى جانب عجزها عن حل أهم المشاكل التي تواجه المواطن مثل: الفقروالبطالة وتردي الواقع التعليمي والصحي.
الأمر يتطلب من الحكومة الاهتمام بتأهيل منتسبيها في كيفية التعامل المهني والتاهيل النفسي ، وضبط النفس في حالات الاستفزاز ، وعلى الأجهزة الأمنية أن لا تنسى أنها ومن باب الشفافية أعلنت عن تزويد منسوبيها بكاميرات توضع على صدورهم للتسجيل بالصوت وصورة، لبيان من المعتدي على الآخر من الطرفين لغايات ايقاع العقوبة ، فأين تسجيلاتكم الصوتية والصورية ، بحيث تتحملوا المسؤولية ، التي تثبت أو تنفي ما تم تداوله من الرواية الشعبية ، بأن المواطن تعرض إلى الاهانة والضرب والتطاول باللسان ( الذي كان اساس المشكلة )، وأن تتم المحاسبة على أساس ذلك.
كيف لا يقهر المواطن ، وهو يمتثل لأوامر الاذعان ، ويدفع الضرائب دون مقابل ، ويدفع فواتير الماء والكهرباء المرتفعة شهريا ،ويدفع رسوم نفايات وتلفزيون وفرق أسعار الوقود وفلس الريف دون استمزاج رأيه ،ويُسلب حقه بالواسطة والمحسوبية ، ويدفع مقابل تعليمه ، ويتعرض للاهانة وهويأخذ حقه بالعلاج الطبي للاكتضاظ وضعف توافر الدواء ، وغيرها الكثير ،وفي نهاية المطاف يجد أنه يُحارب منفردا الظروف المعيشية الضنكة التي فرضت( خاوة عليه) تحت شعارات عدة ، منها: ” الأمن والأمان ” و”الولاء والانتماء ” و ” المواطنة الصالحة ” .
عند الحديث عن ” هيبة الدولة ” ، لا يختلف اثنان ، أن هيبتها من هيبة المواطنين ، والعكس صحيح، وأمر أساس ورضائي وليس بالأمر ، والحفاظ على الهيبة نتيجة حتمية عند تطبيق القانون على الجميع، ومعاقبة الفاسدين، وإقرار قانون انتخابي جيد يفرز مجلسا تمثيليا ديمقراطيا حقيقيا ، والحد من المديونية ، ووقف استنزاف مقدرات الدولة ، وتحسين المستوى المعيشي والطبي والتعليمي للمواطنين .
هيبة الدولة لا تكون بالضرب والاعتداء والتطاول على كرامة المواطن ،فهناك السيىء وهناك الجيد بين منتسبي الأجهزة الأمنية ممن يسيؤون استخدام السلطة ويتعاملون مع المواطنين بغطرسة معتقدين انهم فوق القانون ، علما أنهم هم أول من يكونون تحت القانون ، بغض النظر عن الحادثة وحيثياتها ، الا أنها اظهرت ضعف إدارة الأزمات، من الطرفين أولامن الناحية الأمنية ، والثانية من المواطن الذي يشعر بالغبن، ولأنه فقد الثقة بكل شيء يريد أن ” يأخذ حقه بيده .
نحن في بلد ، ضعيف من حيث المخرجات التعليمية باعتراف حكومي : ” إذ إن نحو 22% من طلبة الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الأساسية (مايقارب مائة ألف طالب) لا يجيدون القراءة والكتابة” ، بالتالي هذه المعضلة أثرت في مخرجات التعليم في المدارس والجامعات ، ولضعف دور أجهزة الدولة بالحد من انتشار المخدرات ، زادت المخدرات بصور كبيرة ، ولتفشي الفقر والبطالة في المجتمع انغمس المواطن في التعاطي أو الترويج للمخدرات ، بحسب تصريح مدير ادارة المخدرات فإن :” 47% من الشباب متعاط، أو مروج للمخدرات ” ، وهذا يعود الى ضعف الوازع الديني والدراسي الذين “تسأل “الحكومة عنه.
مع انتشار الاعلام الحديث ، ولايمان المواطن بأن الحق على المواطن دائما، علما أن الحق دائما يكون على الطرفين ، وأن ” التهم جاهزة مسبقا” ،يحرص المواطن على نشر مقاطع الفيديو حتى يوثق الاحداث لثقته بأن الحكومة تحرص على طمسها ، وظهر لدينا صورة مخيفة ومقلقة عن مدى غضب المواطن الذي ترجمه نحو أجهزة الدولة التي قذفها بالرصاص والحجارة ، أما تلك الصور التي اظهرت مقدار الآليات التي تم نشرها في الشوارع تعكس مقدار التعامل ” السلطوي ” والعدائي بين الحكومة والمواطنين .
المواطن وصل إلى مرحلة من ” الكفر ” بالروايات الحكومية والشعبية معا ،ولم يعد يثق بأحد ، وهذا دليل على درجة الاحباط التي وصل اليها ، ومدى اتساع الفجوة بين الحكومة والمواطن ، حتى وصلت إلى حد الكراهية ،وعلى الحكومة ، أن تمتلك الجراءة، وأن تعترف بالخطأ سواء أكان فرديا أوجماعيا ، وايقاع العقوبة على المتسبب ، بغض النظر سواء مواطنا أو منتسبي لجهاز الامن والدرك .
إن انتشار الأسلحة بين أيدي الموطنين في جميع أنحاء المملكة ـــ لم يعد مقتصرا على محافظة أو قرية أو مخيم ـــ يثبت أن الدولة هي المسؤولة عن عدم سحب الاسلحة من بين ايدي المواطنين ، كما هي المسؤولة بداية عن السماح بنشرها بين الناس ، ومن قبلها هي المسؤولة عن ادخالها الى البلد، وانتشار الاسلحة نتيجة حتمية لغياب تطبيق القانون .
في علم التخطيط الاستراتيجي ، يعرف ما جرى في ” عنجرة ” ، بافتعال حادثة ما بهدف ” جس ” نبض الشارع نحو علاقته مع الدولة وأجهزتها ،وقياس مدى ردود الافعال للمواطن ومقدارها ، ولمعرفة حجم الاسلحة الموجودة في المنازل ، وكيفية التعامل معها ، وذلك لتوقع مدى المقاومة التي قد تواجههم في حال تم الافصاح عن مواقف وقرارات للدولة ستتخذها بعيدا عن الرغبة الشعبية تجاه قضايا اقليمية لها أثر محلي ، وقياس مقدارالمقاومة التي ستواجه الأجهزة لضبط الأمور واعادتها إلى نصابها .
وحتى لا تتكرر حادثة ” عنجرة ” ، علينا أن لا نترك الاعداد الهائلة من المطلوبين ومنهم الخطرون بعيدا عن القبضة الأمنية ، ويستفزنا مواطن فردي ، نمتلك اسمه وعنوانه ومن السهولة الوصول اليه ، ورغم ذلك نقوم بشن الحرب عليه ، لنُخضع البلد لاختبار سيىء ، ونُعرض العلاقة بين المواطن والدولة للخطر .