صراحة نيوز – موسى العدوان
في لعبة الكراسي التي تمارسها حكوماتنا المتعاقبة، والتي يجري ترقيعها مرات عديدة، يعاد توزير بعض الوزراء السابقين من كلا الجنسين في حكومات جديدة، حتى وإن كانوا فاشلين في وظائفهم السابقة. ولزيادة الطين بلِّة يجري تعزيز تلك الحكومات بوزراء أغرار يتم إنزالهم بالمظلات على تلك الحكومات، دون النظر في كفاءاتهم أو خبراتهم السابقة، عدا عن خبرات الصداقة وصلة القربى.
ولو أجرينا تقييما أو استفتاء شعبيا لمعرفة قناعة الناس بإولئك الوزراء، فقد لا يحصلون على نصف علامة النجاح. وتأكيدا لذلك فقد استطاع الرئيس الرزاز، بمهارته وأسلوبه الناعم أن يوظف 52 وزيرا في حكوماته الأربعة، بأقل من سنة ونصف من عمرها المديد، والحبل على الجرار.
وفي هذا السياق فقد شاءت الظروف قبل حوالي ثماني سنوات، أن جرى توظيف ابن شهيد وزيرا في احدى الحكومات السابقة، اعتمادا على مؤهلاته العلمية والعملية. وعندما أرادت الحكومة أن تقر قانونين محددين، عارض الوزير ذلك باعتبارهما يضران بمصالح الشعب. وعندما لم يستجب رئيس الحكومة لمعارضته قدّم استقالته، مضحيا بمنصبه الذي لم ىيشغله لأكثر من ستة أشهر.
لقد كان الوزير متصالحا مع نفسه، وأمينا على رسالة والده الذي استشهد دفاعا عن ثرى الوطن وفداء للشعب، وتطبيقا لجزئية من القسم الذي أداه عند توليه حقيبته الوزارية، بأن يقوم بالواجبات الموكولة إليه بأمانة. لم يغْره المنصب بمكتسباته المنظورة وغير المنظورة، رغم أنه عاش سني طفولة قاسية، إذ فقد والديه وهو في عمر لا يتجاوز بضع سنوات. ولكنه بمساعدة الأقربين من أهله استطاع أن ىيشق طريقه في الحياة، وأن يبني شخصيته علميا وعمليا معتمدا على نفسه، إلى أن تبؤأ منصب الوزير.
وقصة الشهيد والد ذلك الوزير تستحق اليوم إعادة القراة، كما رواها المؤرخ سليمان الموسى في كتابه ” أيام لا تنسى ” وألخصها فيما يلي : في حرب عام 1948 وعندما كانت القوات الأردنية تقاتل على أرض فلسطين، كُلفت باحتلال مستعمرة كفار عصيون، التي تحتلها القوات اليهودية وحصنتها من الخارج بالخنادق والأسلاك الشائكة والألغام.
لم تكن القوة الأردنية الخفيفة كافية لاحتلال المستعمرة، فعززها الرائد عبد الله التل المتواجدة من الكتيبة السادسة المتواجدة في أريحا، بفصيلي مشاة وسيارة ذخيرة مسندة بثلاث مدرعات، يقودها جميعا الملازم نواف الجبر الحمود. حيث وصلت القوه إلى منطقة العملية فجر يوم 13 أيار يرافقها قائد الكتيبة. وكانت القوات المتواجده هناك قد أحكمت حصارها حول المستعمرة.
في صباح اليوم التالي استأنفت القوة هجومها على المستعمرة، وتمكنت من فتح بوابتها الرئيسية بواسط مدافع المدرعات. ولكنها احتاجت للمشاة للقيام بتطهير المستعمرة. فسأل عبد الله التل جنوده عمن يتطوع تمهيد الطريق إلى المستعمرة وفتح ثغرة بالأسلاك الشائكة وحقول الألغام ؟ فتقدم الملازم نواف الجبر الحمود ومعه ستة جنود، للقيام بتلك بالمهمة الخطيرة تحت نيران العدو في وضح النهار.
عند الساعة الثانية والنصف من يوم 14 أيار كان الملازم نواف وجنوده يزحفون نحو خندق العدو الأمامي، وعلى بعد 15 مترا نهض الجندي الأول خلف عبد العزيز مطلق العدوان وركض باتجاه الخندق، ولكن عيارا ناريا معاديا أصابه في عنقه، فسقط شهيدا على الفور يعطر بدمه الزكي ألأرض المقدسة، مخلفا وراءه طفلين في عمر الورود. استمر الهجوم على المستعمرة وتم احتلالها وتطهيرها في نفس اليوم.
* * *
وفي ظل التوزير العشوائي الذي يجري في بلدنا، خلال العقدين الأخيرين لمن هب ودب، أطرح التساؤلات التالية من منطلق وطني بعيد عن الشخصنة والعشائرية :
مَن الأحق بالتوزير أو إعادة التوزير – مع مراعاة الكفاءة – إبن الشهيد، أم إبن من عاش يبحث عن مصالحه خارج الوطن، ثم يهبط على الوزارة بمظلة الصديق ؟ مَن الأحق بالتناوب على كراسي الوزارات – إذا كان هذا ضروريا – إبن الشهيد، أم الأصدقاء والصديقات بغض النظر عن الكفاءة، ودون معرفة لطبيعة وعادات الناس في المدن والقرى الأردنية ؟
مَن الأحق بالتوزير، الذي يحمل ضميرا حيا وسيرة نظيفة، مواصلا مسيرة والده الشهيد، أم من جاءنا بجنسية دولة أجنبية، أقسم على الإخلاص لها والدفاع مصالحها، حتى لو أدى ذلك لحمله السلاح في سبيلها ؟ لماذا يجري تغييب ابن الشهيد عن الساحة، عندما يقول لرئيسه ” لا ” منعا لارتكاب الخطأ في ممارسة العمل؟ أسئلة متعددة تترد في أفئدة الشرفاء من أبناء الوطن، ولكنها لن تجد مسؤولا يجيب عليها بصراحة وشفافية، أو يتخذ إجراء مناسبا لإصلاح الأخطاء التي تشير إليها.
وفي ختام هذا المقال لا يسعني إلا القول: رحم الله الشهداء والمتوفين ممن دافعوا عن الوطن، وأورثونا سيرة عطرة لم يلوثها الفساد في يوم من الأيام، راجيا الله أن يرزقنا بمسؤولين صالحين، ممن لا يخشون قول الحق فيما يخص مصالح الوطن مهما كانت العواقب . . !
التاريخ : 22 / 11 / 2019