صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
في لبنان قد تغيب الحكومة عاما أو عامين وتسير البلاد بلا حكومة وبلا برلمان وتكون الأمور على ما يرام. في الأردن الوضع مختلف كثيرا فقد اعتدنا على أن تحل الحكومة وتشكل أخرى في أقل من يومين. المشاورات اصطلاح مهم لكن استخداماته في الأردن تحتاج الى مزيد من التوضيح، خصوصا في ضوء غياب الأحزاب والبرامج والقوى الممثلة للشارع الأردني.
وسط تعاطف شعبي كبير، أمضى الدكتور الرزاز قرابة أسبوعين فيما أطلق عليه مشاورات وسط تخمينات حول ماهية هذه الجهات واتجاهاتها والمواضيع التي تناولتها المشاورات. في الإطلالات المقتضبة للرئيس المكلف على الإعلام قال كلمات قليلة حول ما يقوم به، فتحدث عن سحب مشروع قانون الضريبة كونه لم يأخذ حقه من النقاش، وقال إنه سيقود حوارا وطنيا قد يقود الى عقد اجتماعي جديد وأعاد بعض ما ورد في كتاب التكليف.
التشاور والحوار والاستماع تقاليد ديمقراطية تطمئن الشارع وترفع سقف التوقعات، فهي توحي بأن الرجل لم يترك شاردة ولا واردة إلا وبحثها وفكر بها وأن الأهداف قد وضعت والطرق تم اختيارها والأدوار جرى توزيعها على الفريق والأولويات جرى تحديدها وضمن الرئيس المكلف مستوى جيدا من الانسجام والتناغم بين أعضاء الفريق الذي أخذ هذا الوقت في اختياره.
في المشاورات التي امتدت على مدار أسبوعين كان نصيب النواب والأحزاب والنقابات ساعات من خلال لقاءات فيها الكثير من العموميات وإعادة تأكيد ما ورد في كتاب التكليف السامي والإشارة الى خطورة ودقة المرحلة.
الآمال المعلقة على الحكومة الجديدة كبيرة جدا والناس يتوقعون تغييرا في الطريقة التي تجرى فيها المشاورات وأسلوب التواصل مع المواطنين وكيفية ترجمة الرئيس كتاب التكليف الى برنامج عمل واضح يعكس أولويات المجتمع ويتصدى للمشكلات ويحقق بعضا من الآمال التي يعلقها الناس على الحكومة.
حتى هذه اللحظة، لا أحد يعرف على ماذا يتم التشاور ولا مع من يتم التشاور ولا الطريقة التي صنفت فيها القوى ومن يمثلها. في ظل غياب الأحزاب الفاعلة والكتل البرلمانية المؤثرة وبرامج النهوض الوطني البديلة، فإن التشاور لا يتجاوز تمرينا في العلاقات العامة واختبارا للكيمياء بين الأشخاص.
كنت أتمنى ومعي العديد من المتفائلين باختيار الرئيس الرزاز لإدارة المرحلة أن يستثمر فترة المشاورات بتحويلها الى ورشة وطنية يطالب فيها القوى والمؤسسات والقطاعات وبيوت الخبرة أن تقدم تصوراتها عن التحديات التي تواجه البلاد والأولويات التي يرونها في شتى الميادين والحلول والاستجابات المقترحة للتصدي لها.
المياه التي أصبحت أكثر ندرة وزاد العجز المائي على 400 مليون متر مكعب سنويا تحدّ لا يقل أهمية عن ارتفاع الأسعار وتدهور مستوى الخدمات الأساسية، وهي قضية تحتاج الى برنامج طوارئ، وإقناع الناس بعدالة تسعيرة المحروقات وفك لغز معادلتها قضية أساسية في رفع منسوب الثقة بالمؤسسات.
في المجتمعات الديمقراطية، يتواصل الرئيس المكلف مع الأحزاب الممثلة في البرلمان الذين يعرفون سلفا توجه الرئيس من خلال برنامج حزبه وخلفيته السياسية وتجرى المشاورات على أساس إعادة ترتيب الأولويات بما يتناسب مع مطالب الأحزاب الشريكة في الحكومة أو الداعمة لها. في الأردن لا أحزاب فاعلة ولا اتجاهات ولا برامج واضحة لكتل بعينها.
الأردنيون يتطلعون الى حكومة تحمل برنامجا إصلاحيا بأولويات وطنية تلامس هموم الشارع وتلتف حول خطاب صادق وشفاف يتواصل مع الشارع ويحترم عقل المواطن. والكل يتوقع من الحكومة الجديدة أن تبسط ولايتها على موارد الدولة وتنفذ التشريعات وتكون مسؤولة عن كل ما يجري في البلاد فلا ينفق فلس واحد إلا بعلمها.