صراحة نيوز – بقلم أسعد العزوني
قيس خليل يعقوب زيادين هو شاب مفكر وأصغر نائب في البرلمان الأردني ،ولا أريد القول أن وزنه النوعي ،لا يحمله أي ميزان قياسا بما نرى ،وهو من قرية السماكية إحدى أعمال الكرك التي أجبت العديد من المفكرين والسياسيين الأردنيين المنافحين عن الحق والحرية ،وفي مقدمتهم جده شيخ المناضلين الأردنيين ،النطاسي السياسي نائب القدس عام 1956 يعقوب زيادين .
ربما لا يعني هذا الإسم شيئا لمن لا يعرفه أو لنقل من لم يرقبه عن قرب ويخبر معدنه الفكرى ،وأسلوبه المستنير وقوة شخصيته وثقته بنفسه وتمكنه من فكرته وهو يعرضها أمام الجميع ،ولم يأت ذلك من فراغ ،بل له عدة رافعات أولها وليس أهمها أنه سليل مناضل صلب ترك وراءه بصمة لا تمحى ،كما أنه تعب على نفسه ولم يسلّم أمره لنسبه وجده الراحل يعقوب زيادين ويكتفي بذلك.
الصدفة جمعتني وإياه دون سابق معرفة قبل أيام ولم اكن قد إلتقيته من ذي قبل ،كما انني لا اعرفه شخصيا قبل تلك الصدفة ،وقد أذهلتني طريقة أدائه، ولو لم يقم “المعزبون “بالتعريف عليه ،لما عرفته لأنني أصلا لم اكن أعرفه ،مع ان علاقة إحترام متبادل كانت تربطني بجده الراحل يعقوب زيادين وكنت ازوره في البيت ونتبادل الآراء ،ولا أنكر أنني إستفدت منه كثيرا ،إذ رغم شيخوخته لكنني كنت أجد نفسي أمام شاب متقد الذهن قوي العزيمة.
كان المحامي والنائب قيس خليل يعقوب زيادين يتحدث عن الدولة المدنية ،وإستهل حديثه بولاء وإنتماء حقيقيين للأردن ،وقدم أفكاره بدون تشنج أو إنفعال ،بل كان يتحدث بعقلانية مفعمة بالبراهين والدلائل والحجج ،ما يدل على انه كهل نالت الحياة منه الشيء الكثير،لكن الأمر وما فيه أنه حفيد النطاسي السياسي يعقوب زيادين.
أدركت وأنا أستمع إليه بإنصات أن الراحل يعقوب زيادين لم يمت ،وان روحه التي كانت ترفرف فوقنا في ذات المكان ،كانت مرتاحة حد النشوة ،لأن أصغر نائب في البرلمان كان يتحدث بعقلانية وتنور، يفتقدهما العديد ممن أوتوا نصيبا كبيرا من الحظوة ،لكنهم لم يبيّضوا وجوه من منحوهم تلك الحظوة على حساب الآخرين المستحقين ..ولكن الدنيا حظوظ.
كان النائب قيس خليل يعقوب زيادين مروجا رائعا لفكرة الدولة المدنية التي يفهمها البعض بغير إتجاهها الصحيح ،ظنا منهم ان معارضة مثل هذه الأفكار ستجلب لهم الخير والمنفعة ،وهذا برأيي أهم عامل في تأسيس حزب “السحيجة “في الأردن،وكان أيضا قمة في التواضع ،ولا أنكر القول أنه ورغم ما لديه إلا أنه يمتلك الكثير من الحياء ،ولعمري أن ذلك يضفي عليه الكثير من الرزانة وإحترام الذات.
كما قلت فهو منافح شرس عن فكرته وهي الدولة المدنية ،ويمتلك القدرة على إقناع من يريد الإقتناع بها ،ولديه من الإنفتاح على الآخر ما يعجز عن وصفه القلم واللسان ،ناهيك عن رزانته وهو يتحدث عن الأردن بما لا يوحي انه متطفل على الفكرة ،بل هو أبوها وأمها ،ولذلك كان واثقا من نفسه وهو يتحدث ،ولم تخنه ذاكرته أو يبدو عليه بعض التلعثم ،كما أن لغته العربية كانت سليمة ،ولم ألحظ عليها أنه يطعمها بكلمات إنجليزية رغم أنه خريج إنجلترا.
ربما يقول البعض الساذج أنه كمواطن أردني يتوجب عليه الحديث عن الأردن بتلك الطريقة ،وهذا لا غبار عليه فالشعور بالمواطنة والإنتماء والولاء كلها أمور مطلوبة وجيدة ،لكن أن ينافح عن الحق الفلسطيني أمام منصات عالمية كبيرة وبحضور مندوبي الإحتلال ،فهذه بيضة قبان “تطبش”.
من خلّف ما مات ،وكما يقال ان هذا الشبل من ذاك الأسد،لكن قيس خليل يعقوب زيادين ،كسر المألوف وأسس لنفسه مكانة مميزة لأنه لم يتسلح بنسبه فقط،كما يفعل البعض ،فهو أسس بنيانا قويا جديدا على بنيان إتسم بالصلادة أصلا ،فكان نموذجا يحتذى به بالنسبة للشباب الأردني.