صراحة نيوز – بقلم أ.د. محمد الفرجات
قبل بضعة سنوات وفي أوج أزمة الربيع العربي واشتداد الأزمة على الساحة السورية، فقد تكالبت بعض الصحف العالمية لمحاولة التنبؤ بالمستقبل السياسي للمملكة العربية السعودية ضمن إطار من التشاؤم، فكتبت مراهنا على قوة هذا العملاق السعودي -وأدرج في آخر مقالي ما جاء في المقال المذكور-.
يضاف إلى ذلك وفي ذات الفترة كتبت الكثير عن حكمة واتزان قيادتنا الهاشمية في تجنيب البلاد الانخراط في حروب ومعارك لا وبل مستنقعات خطيرة، بالرغم من إلحاح قوى الصراع الشريكة في تحريك الأزمة من قوى الأقطاب العالمية.
اليوم تتحد حكمة قادة المملكتين (الأردن والسعودية) واللتان يربطهما تاريخ مشترك ومشرف، من أجل توجيه الإقليم الذي اكتفى معاناة إلى أرض يتنفس شعوبها الصعداء على الصعد الاقتصادية والاجتماعية، ويعلن في السعودية عن مشروع نيوم ذي الأبعاد التنموية والذي يطور وينمي الأرض والإنسان ويحسن إدارة الموارد لتواكب أجيالنا القادمة العصر في عالم يتنافس بالتقدم وتسخير التكنولوجيا ولا مكان للضعيف فيه؛ الذكاء الاصطناعي، صناعة الطباعة الثلاثية، تكنولوجيا المعلومات، الطاقة النظيفة، والبحث العلمي والأبداع والابتكار، كل ذلك في مدن ذكية قابلة للحياة.
التنسيق السعودي الأردني في أعلى مستوياته؛ سياسيا واقتصاديا، والمملكتان قيادات وشعوب يعزز فرصهما التوافق والوفاق… فهل سنسمع قريبا عن زيارة لسمو ابن سلمان يعلن فيها الـ ‘نيوم’ المشترك بين الجارتين في الرؤى والاستراتيجيات والأدوار والتمويل والتنفيذ؟
أما ما جاء في مقالي المذكور أعلاه فقد كان:
‘قرأنا في بعض الصحف خلال الأسابيع الأخيرة، عن تساؤلات حول مستقبل نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، وذلك في ظل سيناريوهات مختلفة، مع تطور الأوضاع على الساحة العربية والاقليمية وحتى الدولية، وترابط الأمور خاصة مع تعقد الأوضاع على الصعيد السوري.
ولما كانت الدول تتكون من ثلاثة مركبات؛ الأرض والشعب والحكومة، فثلاثتها في دولة المملكة العربية السعودية سنمر بها، لنستشرف مستقبلها السياسي بشكل علمي وعملي. فبعيدا عن المجاملات، ولمحاولة وصول أعلى درجات الموضوعية في هذا المقال، فيجب أن أذكر بأنني لم أكن يوما في السعودية، ولكنني أتابع شأنهم الاقتصادسياسي بشكل مستمر، وأستطيع تناول بعض التفصيل عن المركبات المذكورة، ووضع ذلك في الميزان.
فأرض المملكة ومن ناحية جيوسياسية محاطة حدوديا بدول مستقرة، وتربطها معهم جميعا علاقات حسن الجوار التاريخية والمتزنة، اضافة الى أن جزءا كبيرا من هذه الدول تنتمي الى مجلس التعاون الخليجي، والذي يعد مجلسا متكافلا متضامنا بما يعود بالنفع على الدول الأعضاء. أما جغرافية وجيولوجية الأرض، فالسعودية محاطة بخليج العقبة والبحر الأحمر من الجهة الغربية، وتطل على الخليج العربي بجزء من الجهة الشرقية، مما يتيح لها فرص التبادل التجاري البحري، ويفتح أمامها المزيد من الخيارات في مجال تحلية المياه من ناحية، وفرص استعمالات الطاقة النووية للأغراض السلمية من ناحية أخرى.
هذا وتعد البلاد نسبيا خالية من جميع أنواع الكوارث الطبيعية، وفيها من التنوع الحيوي والمناخي وأنواع التربة طيف واسع، مما يحسن فرص الأمن الغذائي المحلي، خاصة مع وجود خزين جوفي جيد النوعية من المياه القابلة للتجدد.
ما زلنا نتحدث عن أرض المملكة العربية السعودية، تلك التي شرفها الله تعالى بقبر نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، والكعبة المشرفة قبلة المسلمين في مكة المكرمة، هذه الديار المقدسة، والتي يؤمها الحجيج والمعتمرون من شتى بقاع العالم، وعلى مدار أيام السنة معززين مكرمين آمنين، ويقوم بهم سقاية ورفادة وخير قيام خادم الحرمين الشريفين وحكومة المملكة.
شعب المملكة العربية السعودية شعب انطلقت منه الدعوة الاسلامية، ويتميز بالفكر وحب العمل والتحضر ومواكبة العصر، مع الحفاظ على الأصالة والعروبة والقيم والعادات، وقيل فيهم شعرا: ‘حنا اذا مات البطل منا شهيد، أحفاد أبو بكر وعمر وابن الوليد’، وتربطهم بقيادتهم علاقة فريدة من نوعها، لمست ذلك لما عاد خادم الحرمين من رحلة الاستشفاء، وكذلك من قرب وترابط الملك والأسرة الحاكمة مع شعبهم.
اذن أرض طيبة مكرمة، وملك عادل محبوب، وشعب كريم نشيط منتم وموال، تحكمهم دولة قانون ومؤسسات، وحكومة رشيدة تستمد قوانينها من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتطبق الحد والقصاص، فتعيش حالة نادرة من الأمن والاستقرار. وبالرغم عن وجود الثروة النفطية والثروات المعدنية، فمع خطط واستراتيجيات وتوجيهات خادم الحرمين للنهوض بقطاع الصناعة، ووجود صناعات سعودية غذائية وتكنولوجية (ثقيلة وخفيفة) صارت تنافس الآلة الألمانية’، والماركات العالمية، فالاقتصاد يسير صعودا بإطار من الاستدامة الحكيمة، مبشرا بمزيد من النمو والازدهار.
دوليا فالمملكة لها هيبة ومكانة مرموقة، وتميزها سياسة الاعتدال، هذا ومن الواضح حسن الرعاية والاستضافة والخدمات، والتي يوليها حماة بيت الله الحرام؛ خادم الحرمين الشريفين وحكومته الموقرة لحجاج البيت العتيق، فبالرغم عن وصول أعدادهم بالملايين، فلم يشكو أحد منهم خوفا ولا عطشا ولا جوعا، فإنها دعوة ابراهيم الخليل عليه السلام.
هذا وأن قلوب كل المسلمين في شتى دول العالم تهوي الى مكة والمدينة، وان الكعبة التي رمى الله فيلة أبرهة الأشرم بحجارة من سجيل لما كاد لها، لا يقربنها ولا يقربن حماها ولا حماتها إلا خاسر، وهنا تكتمل الصورة لنجيب على تساؤل مطروح، فمع جيشهم القوي المنيع، والعدل الذي هو أساس الملك، فان السعودية مملكة صاعدة بامتياز وبكل المقاييس نحو مجد ورفاه شعبهم، وستستمر نظاما كريما، وشعبا طيبا، ودرعا حصينا وقوة للأمة العربية والاسلامية.’