صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
العدو الصهيوني السرطاني الخطير ، يتمدد ، ويقضم بِصمت وخُبث بما يتوافق مع استراتيجياته التوسعية ، وليس خشية منا ، او انه يحسب حساباً لنا . مشكلة عدونا الصهيوني سالب الأوطان ، وقاتل الإنسان ، تكمن في غيّه وجبروته وبطشه وإجرامه . لكن علينا ان نسأل أنفسنا عن الأسباب التي أدت الى تَسَيُّدهِ . والأسباب واضحة واهمها تردي الوضع العربي عامة .
كلنا نعرف ان شعار الحركة الصهيونية هو : من الفرات الى النيل .. ومن الأرز الى النخيل . ونعلم ان هذا الشعار الاحتلالي لأهميته عندهم ، ولانه يتضمن نهجهم ، ويجسد رؤيتهم ، فقد وضعوه على العلم الصهيوني ، كما ان حزب أزرق أبيض الصهيوني المتطرف سُمي بهذا الإسم نسبة الى ألوان العلم الاسرائيلي . ونحن نُقيم علاقات مع دولة العدو الطامع بنا ونسمح بان يرفرف علمه الذي يرمز لاستهدافنا واحتلالنا في عاصمتنا !!؟؟
لاحظوا كيف ان استراتيجية العدو الصهيوني تشبه الى حدٍّ بعيد الآلية التي يتبعها اللحّام او القصاب او السلّاخ المحترف ، الذي رؤيته واضحة ، وهدفه بَيِّنْ . فاللحّام عندما يسلخ الشاة ، أول ما يمُد إظفره ، ثم إصبعه ، ثم يحشر كل ذراعه ، حتى يسلخ كل الجِلد عن اللحم ، وينتهي الى تقطيع الشاة إرباً . وهذا ما فعلته الحركة الصهيونية على الصعيد التنفيذي التطبيقي بعد مؤتمر بال في سويسرا عام ١٨٩٧ ، الذي كان نتاجه صدور بروتوكول حكماء صهيون . من البديهي اننا نعلم بوجود يهود في فلسطين منذ قرون طويلة ، كانوا يعيشون بأمن وسلام وأمان ، ومن الأدلة على ذلك اعتراف رئيسة وزراء العدو الصهيوني المقبورة غولدا مائير بانها فلسطينية الأصل وأنها كانت تحمل الجنسية الفلسطينية وجواز السفر الفلسطيني ، لانها عاشت في فلسطين منذ عام ١٩٢١ . وعليه استغلت الحركة الصهيونية وجود اليهود في فلسطين ، حيث بدأوا بدعمهم ، وتعزيز وجودهم ، ثم رفدهم بهجرة مكثفة من صهاينة العالم ، حيث وصلوا لمرحلة تُمكِنهم من تشكيل حركات تنظيمية ارهابية مثل الهاجانا وغيرها ، عندها بدأوا بالإغارة على التجمعات الفلسطينية لقتلهم وترهيبهم ، الى ان احتلوا فلسطين عام ١٩٤٨ ، بعدها توقفوا حتى عام ١٩٦٧ ، فأتتهم فرصة الضعف والعشوائية والارتجالية العربية ، عندما خاض العرب حرباً ليسوا مستعدين لها ، فاحتلوا الضفة الغربية ، وتوقفوا عن اي نشاط توسعي رغم الاحتلال الى سنوات ، بعدها بدأوا بقضم وضمّ اجزاء من الضفة الغربية ، الى ان قضموا وضمّوا منها ما نسبتة ( ٧٠٪ ) ، والآن يودون ضم الأغوار الفلسطينية غرب نهر الأردن .
بعد التسلسل المشار اليه أعلاه ، الذي لا أهدف منه السرد التاريخي مُطلقاً ، لانه معروف وبديهي ، لكنني أهدف منه توضيح آليات القضم التي يتبعها الكيان بانها ممنهجة ومبرمجة وتسير وفق استراتيجيات دقيقة للغاية . هنا نأتي الى موضوع المقال لنتنبه الى انه لن يتم الاكتفاء بضم الأغوار الفلسطينية غرب نهر الأردن ، بل يُعتبر ذلك تمهيداً لضم الأغوار الاردنية شرق نهر الأردن ، وعند احتلال الأغوار الاردنية سيتحججوا بان أمن الكيان مُهدد ، وان جبهتهم ساقطة عسكرياً ، وعليه سيخططون لاحتلال كل سلسلة الجبال الاردنية المُطلة على الأغوار الاردنية …. وهكذا .
بعقلانية تامة وواقعية مُطلقة ، لا يعاني العدو من أية عوائق تمنعه من تحقيق وتنفيذ شعاره الاستيطاني بكامله ، الاّ سببين لا ثالث لهما : الأول : انهم يعانون من محدودية في الكثافة السكانية وذلك يعود الى إنخفاض نسبة الخصوبة ( fertility ) حيث انها كانت سالبه ، وبعد نجاح العدو باستقطاب الهجرات من يهود الفلاشا من أفريقيا ، واليهود السوفيات ( سابقاً ) وصلت النسبة الى (٠,٩ ٪ ) اي أقل من واحد بالمئة . لانهم يحتاجون الى سكان صهاينة في الأراضي التي يحتلونها . والسبب الثاني : معاناتهم من الكثافة السكانية العربية في الأماكن المحتلة . حيث يصبح الاحتلال عندها مُكلفاً ، ويصعب فرض السيطرة . ولحل هذه المعضلة العائقة لتوسعهم يشتغلون على عامل الزمن ، ويتفننون في كسب الوقت ، لذلك هم يتأنون وينفذون استراتيجياتهم ببطء دون تباطؤ مثلما يقول المثل الأنجليزي ( slowly but surely ) .
وعليه نوجز بأن اطماع العدو الصهيوني في الأغوار غرب نهر الأردن وشرقه تتمثل بأسباب عديدة منها : انها تعتبر استمراراً لتحقيق الوطن الموعود ، والقضاء نهائياً على فكرة حلّ الدولتين لانه باحتلال الأغوار يستحيل إقامة دولة فلسطينية ، واهميتها الاستراتيجية لأمن الكيان الصهيوني ، إضافة الى أهداف أخرى ليس اقلها خصوبة التربة ، وتنوع المناخ نظراً لدفء الأغوار شتاءاً وهذا يُشكل ثروة وتفرداً لوحده لانه يوفر الزراعات الشتوية ، بالإضافة لتوفر المياة . وأهميته على المدى البعيد انه يعتبر تمهيداً لإبتلاع الأردن من قبل الكيان الصهيوني ، ونحن ما زلنا نغني ( ونهيجن ) مرحى لمدرعاتنا . أنه الفرق الحقيقي بين التخلف والتحضر ، وبين وجود الرؤية وغيابها .